محمود سعيدبرغش
الحمد لله الذي جعل شهر رمضان شهر الطاعة والعبادة، وفضّله على سائر الشهور، والصلاة والسلام على نبينا محمد ﷺ الذي كان يجتهد في العبادة في رمضان أكثر من غيره.
رمضان.. موسم الطاعات أم سوق للفساد؟
رمضان شهر الرحمة والمغفرة، لكنه تحوّل في زمننا إلى سوق رائجة للمسلسلات الفاسدة والبرامج الهابطة والمقالب السخيفة، التي لا تمتّ بصلة لأخلاقيات الشهر الكريم. فما إن يقترب الشهر حتى تبدأ القنوات الفضائية في التنافس المحموم على إنتاج أعمال درامية مليئة بالمشاهد غير اللائقة، والأفكار المنحرفة، والمحتوى الذي يهدم القيم بدلًا من تعزيزها.
المسلسلات في رمضان: من رسالة الفن إلى إفساد الذوق
الفن وسيلة مؤثرة، لكنه في رمضان بات أداة لنشر الفساد والتفاهة. نجد كثيرًا من المسلسلات تركز على الخيانة، والعنف، والانحلال الأخلاقي، والمشاهد الجريئة، دون مراعاة لقدسية الشهر أو تأثير هذه الأعمال على المجتمع، وكأن رمضان صار موسماً لتغييب العقول، بدلًا من أن يكون موسمًا للارتقاء بها.
والغريب أن هذه الأعمال تُسوّق على أنها “تعكس الواقع”، بينما في الحقيقة هي تصنع واقعًا منحرفًا لا يمثل سوى أقلية شاذة في المجتمع، فتجعل المشاهد يظن أن الانحلال هو القاعدة، والاستقامة هي الاستثناء!
وقد قال النبي ﷺ:
“إن مما أدرك الناس من كلام النبوة الأولى: إذا لم تستحِ فاصنع ما شئت.” (رواه البخاري).
وهذا بالضبط ما تفعله كثير من شركات الإنتاج، حيث تقدم محتوى يخلو من الحياء والقيم، بحجة “حرية الإبداع”، وكأن الإبداع لا يتحقق إلا بتشويه الأخلاق!
برامج المقالب: السخرية والاستهزاء بدلًا من المتعة
من الظواهر السلبية في رمضان انتشار برامج المقالب التي تبني شهرتها على الإذلال والإهانة والتخويف، بحجة “الكوميديا”. حيث يتم خداع الضيوف ودفعهم إلى مواقف محرجة أو مرعبة، ثم تُعرض هذه المشاهد وكأنها ترفيه، بينما هي في حقيقتها إهانة لكرامة الإنسان، وتحريض على العنف والتنمر.
والنبي ﷺ قال:
“لا يأخذن أحدكم متاع أخيه لاعبًا ولا جادًّا.” (رواه أبو داود وصححه الألباني).
فإذا كان الشرع يمنع أخذ متاع الشخص على سبيل المزاح، فكيف بإرعابه وإهانته أمام الملايين؟
برامج الترفيه والسفه الإعلامي
ليس الأمر مقتصرًا على المسلسلات والمقالب، بل حتى البرامج الحوارية باتت منابر للجدل العقيم، حيث يستضيفون شخصيات تافهة لا تقدم أي قيمة للمجتمع، بل تنشر التفاهة والسفه، وكأن الهدف هو شغل الناس عن أمور دينهم ودنياهم بما لا ينفع.
وقد أخبر النبي ﷺ عن زمان تكثر فيه التفاهة، فقال:
“سيأتي على الناس سنوات خداعات، يُصدق فيها الكاذب، ويُكذب فيها الصادق، ويؤتمن فيها الخائن، ويخون فيها الأمين، وينطق فيها الرويبضة.” قيل: وما الرويبضة؟ قال: “الرجل التافه يتكلم في أمر العامة.” (رواه ابن ماجه وصححه الألباني).
كيف نواجه هذا الغزو الإعلامي؟
1. اختيار المحتوى النافع: متابعة البرامج التي تحمل قيمة حقيقية، وتجاهل المحتوى الفاسد.
2. تعزيز البدائل الهادفة: دعم الإنتاج الإعلامي الجيد الذي يحترم عقل المشاهد وقيم المجتمع.
3. تربية الأبناء على الوعي: توجيه الأطفال والشباب لمشاهدة المحتوى المفيد، بدلًا من تركهم فريسة للإعلام المنحرف.
4. استثمار رمضان في الطاعة: بدلاً من إضاعة الوقت في التفاهات، يمكن استغلاله في العبادة والتعلم وتطوير الذات.
رمضان ليس شهرًا للهو والعبث، بل فرصة عظيمة للتقرب إلى الله، والتغيير نحو الأفضل. فكيف نقبل أن يكون هذا الشهر المبارك موسمًا لنشر الفساد بدلًا من أن يكون شهرًا للتوبة والرجوع إلى الله؟
نسأل الله أن يهدي المسلمين إلى استغلال رمضان فيما يرضيه، وأن يرزقنا البصيرة في اختيار ما ينفعنا في دنيانا وآخرتنا.
