العفو عند المقدرة.. قوة تتجاوز الانتقام
بقلم/ بسمة خالد
أخصائي علم النفس والإرشاد الأسري
في لحظات الغضب أو الأذى، يبدو العفو خيارًا بعيد المنال، خاصة عندما يكون الإنسان قادرًا على رد الإساءة أو استعادة حقه بالقوة. لكن العفو عند المقدرة ليس ضعفًا، وإنما قوة داخلية تتجاوز الرغبة في الانتقام، وتفتح المجال للسلام النفسي والنضج العاطفي.
يتطلب العفو تجاوز المشاعر السلبية التي يولّدها الأذى، مثل الغضب، والخذلان، والرغبة في رد الصاع صاعين. فالإنسان بطبيعته يسعى إلى استعادة كرامته، وأحيانًا يعتقد أن الصفح قد يُفهم كاستسلام أو ضعف. غير أن الحقيقة أن العفو لا يعني تبرير الإساءة أو نسيانها، وإنما هو اختيار واعٍ بعدم السماح لها بالتحكم في المشاعر والتصرفات.
كيف يمكن للعفو أن يكون قوة؟
١- تحرر نفسي من الأعباء: عندما يحتفظ الإنسان بالغضب داخله، يصبح كمن يحمل حملًا ثقيلًا يؤثر على راحته النفسية. العفو يمنح فرصة للتحرر من هذا العبء والعيش براحة أكبر.
٢- تعزيز الثقة بالنفس: عندما تختار العفو، فأنت تثبت لنفسك أنك أقوى من مشاعر الانتقام، وأنك تتحكم في ذاتك بدلًا من أن تتحكم فيك رغباتك اللحظية.
٣- إعادة التوازن للعلاقات: قد يساعد العفو في إعادة بناء العلاقات المتضررة، خاصة إذا كان الطرف الآخر نادمًا ومستعدًا للإصلاح.
٤- التركيز على المستقبل عوضًا عن الماضي: التمسك بالأحقاد يربط الإنسان بالماضي ويمنعه من المضي قدمًا، في حين يفتح العفو الباب لحياة أكثر هدوءًا وإيجابية.
كيف نصل إلى العفو الحقيقي؟
– التفهم والتقبل: إدراك أن الجميع يرتكب أخطاء، وأن بعض الأفعال ناتجة عن ضعف أو جهل وليس عن نية حقيقية للأذى.
– التعبير عن المشاعر: لا يعني العفو كبت المشاعر، بل من المهم التعبير عن الغضب بطريقة صحية، سواء من خلال الحديث أو الكتابة أو التأمل.
– إعادة تعريف القوة: القوة الحقيقية لا تكمن في الانتقام، وإنما في القدرة على التحكم في النفس والتصرف بحكمة.
– التسامح مع الذات: أحيانًا يكون أصعب أنواع العفو هو العفو عن النفس. تقبل الأخطاء والتعلم منها خطوة ضرورية للسلام الداخلي.
قد يرفض البعض فكرة العفو، خاصة عندما تكون الجراح عميقة، وهذا مفهوم. غير أن العفو في جوهره ليس هدية للآخرين بقدر ما هو هدية للذات. إنه اختيار يمنحك الحرية من قيود الماضي، ويفتح أمامك أبواب السلام والتوازن النفسي. عندما تعفو وأنت قادر على الانتقام، فإنك تمارس أرقى أنواع القوة.
