د _ عيد علي
في عام الرمادة، حين جاع الناس واشتدت المحنة، روت أم المؤمنين السيدة عائشة رضي الله عنها وأرضاها قصة تهز القلوب، تفيض بالعطاء والإيثار.
تحكي أنها كانت تستريح في وقت الهجير، حينما أفزعها صوت الجلبة خارج بيتها، فنهضت لتنظر إلى السماء، فوجدتها حمراء، والناس في هرج ومرج. فأرسلت جاريتها تستطلع الخبر، فعادت تخبرها بأن قافلة لعبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه قد وصلت من الشام، محملةً بالخيرات من سمن وبر وزيت وزبيب وكساء وغير ذلك الكثير.
لكن اللافت لم يكن حجم القافلة، بل ما يحدث حولها! التجار يتنافسون لشرائها، يعرضون فيها الضعفين والثلاثة، لكن عبد الرحمن بن عوف يرفض البيع!
استنكرت السيدة عائشة الأمر وقالت: “والله لئن صادفته لأقرعنّه على فعلته، لقد فسد أصحاب محمد ﷺ بعده!”
لم تمضِ لحظات حتى طُرق بابها، وقيل لها إن عبد الرحمن بن عوف بالباب يريد لقاءها. فاستبشرت، وقالت: “لقد ساقه الله إليّ، والله لأقرعنّه!”
لكن ما إن كلمته حتى أذهلها جوابه. ذكرها بحديث النبي ﷺ عنه:
“ندخل الجنة ويتخلف عنا عبد الرحمن بن عوف يُحاسَب على ماله، ثم يدخلها حبواً، عسى الله أن يطلق ساقيه.”
ثم كشف لها عن نيته الحقيقية، قائلاً:
“إنهم يدفعون لي خمسة أضعاف، وأنا لا أبيع، لأن هناك من يدفع أكثر، لأن الحسنة بعشر أمثالها! وقد أخبرتُ عمر أن يوزع القافلة بأكملها على أهل المدينة ومن حضر في سبيل الله، وأشهدتكِ على ذلك، عسَى أن يطلق الله ساقيَّ.”
ذهلت السيدة عائشة من نُبل موقفه، ولامت نفسها قائلة: “أبأصحاب رسول الله ﷺ تظنين الظنون؟ فليتك ما كنتِ ولا كنتِ!”
وبعد قليل، خرجت لتشهد المشهد العظيم، فوجدت سيدنا عليًّا مع رهط من الصحابة يفرغون الإبل من أحمالها، ويوزعونها على أهل المدينة، حتى لم يبقَ جائع في المدينة تلك الليلة.
ووقف عبد الرحمن بن عوف يخاطب عمر بن الخطاب قائلًا: “مالي وهذه الإبل؟ اجعلها في إبل الصدقة!”
هكذا كان أصحاب محمد ﷺ، وهكذا كان إيثارهم!
رضي الله عنهم وأرضاهم، وجعلنا ممن يقتدي بهم ويسير على نهجهم إلى يوم الدين.
