القاهرية
العالم بين يديك

الشبح

16

كتب/ حمادة توفيق أبوالحسن.
عاد من عمله عند منتصف الليل مكدوداً، فما أن فتح باب منزله حتى وجدها في وجهه، اندهش بشدة وأصابه ذعرٌ شديد، فلقد كانت ترتدي – وعلى غير العادة – ملابسَ سوداء، نفخ بفمه مُضّجراً ثم أغلق البابَ وترك حقيبةً كانت في يده، وذهب إلى الحمام مُغضباً، تاركاً إياها لدى الباب وعلى وجهها ابتسامةٌ غريبةٌ فيها من الكُره ما فيها.
أخرجت من داخل الدولاب أكياساً سوداء كبيرة وساطوراً، تركت الأكياس على السرير، ثم خفدتْ إلى الحمام ومعها الساطور فخبّأته خلف ظهرها وانتظرت خروجه!
وما أن انتهى حتى فتح باب الحمام وخرج، رآها في وجهه مرة أخرى بنفس ملابسها السوداء، ابتسمت له نفس الابتسامة الغريبة مرة أخرى، دقّ قلبه خوفاً، بيد أنه تمالك أعصابه ثم أشاح بوجهه واستدار، رفعت الساطور فضربته على رأسه من الخلف فشجّته، تطايرت الدماء في أرجاء المكان، استدار مذهولاً يترنّحُ ينظر إليها وقد أطلق آهةً تصدعت لها جدران المنزل، قالت:
– هذه لفريدة!
نظر إليها بعينٍ مكسورة ثم انهار على الأرض وقد جثى على ركبتيه، فرفعت الساطورَ مجدداً وبكل قوة ضربته في مقدمة رأسه ضربة ثانية، قالت:
وهذه لمريم!
كانت رأسه قد انشطرت نصفين وكان هو قد سقط على الأرض، بينما كانت الدماء قد افترشت المكان من حوله وتناثرت على الحوائط من حولهما.
بادرته بضربة ثالثة: وهذه لناهد، ورابعة: وهذه لآية، وخامسة: وهذه لخلود!
انتبهت للحظة فألقت بالساطور على الأرض ويداها ملطّختان بالدماء، ثم هرعت إلى داخل حجرة النوم فجاءت بالأكياس السوداء، وطفقتْ تُقطع جثته، ثم سرعان ما انتهت فجعلت تضعها في الأكياس السوداء، قامت تضحك ثم استحال ضحكها لصمت وهي تتطلعُ إلى الأكياس، ثم أخذت في بكاءٍ يمزّقُ الأكباد:
– ثمن الخيانة باهظ يا حبيبي، وكان يجب أن تدفعه!
حملتْ الأكياس بكلتا يديها وسارت متثاقلةً متعبةً فوضعتها في الصالة، رأت حقيبته فقررت أن تفتحها، أخرجت هاتفه وبعض الأوراق وأجندة صغيرة ففتحتها وجلست تقرأ:
” سامحيني رجاءً، حاولتُ كثيراً أن أتغلب على نزواتي كرجل وأكتفي بكِ وحدك، لكني كنت أفشل في كل مرة أحاولُ فيها ذلك، لا غرو إذن، فإنّ الطبعَ يغلبُ التطبع، وأنا بطبعي ضعيف أمام نزواتي التي لا تنتهي!
إذا انتهى الأجلُ وغربت شمس العمر وعاجلني حِمامُ الموت فاغفري، لعلّي أقابلُ ربي بنفسٍ راضية، فأنا أعلم أنا الموت قدرٌ محتوم وأنه لا مفرّ منه، هكذا قضى الله فكتب الفناءَ على جميع خلقه.
أنتِ أيضاً كانت لكِ حماقاتٌ كثيرة يا حبيبتي، لم تجتهدي بالقدر الكافي للتمسك بما كان بيننا من حب، كنتِ دائمةَ الانفعال حتى لأتفه الأسباب، أهملتيني وهجرتيني ولم تقومي بأبسط واجباتك نحوي كزوج، كنتِ مزاجيةً متقلبةً مضطربة، وربما كانت هذه الأمورُ سبباً في خيانتي لكِ، كنت متعطّشاً للحب والاهتمام فبحثتُ عنهما عند فتياتٍ أخرياتٍ كنّ يسعينَ لإرضائي بشتّى الصور!
على أيةِ حالٍ لا داعي للعتاب، فكل ما أرجوه منكِ أن تغفري، أما أنا فلقد غفرتُ لكِ ما كان جملةً واحدةً “
تركت الأجندة ووقفت تسترقُ إلى الأكياس السوداء نظراتٍ، ثم توجّهتْ إليها ووقفت تنظر، ثقلت بها قدماها فجلست، قالت:
– غفرتُ لك.
حملت الأكياس وفتحت الباب فخرجت والفجرُ على وشك البزوغ، مضت إلى النيل فألقتها بعد أن أحكمت إغلاقها، ثم عادت أدراجها إلى المنزل فدخلت حجرة النوم وأطفأت الأنوارَ وراحت تَغُطُّ في سُباتٍ عميق.
وما أن استيقظت في الصباح حتى جلست مستويةً على سريرها، وفجأة قامت مذعورةً كمن أصابه مس أو جنون، فلقد رأت فوق السرير قطعة لحم بشريٌ كبيرة وأجندته التي كانت معها فجراً، وضعتْ يدها على فمها مصدومةً، فتحت الباب فذهبت إلى الصالة تتلفت حولها كالمجنونة، وفجأة سمعت ضحكته ترنُّ في أرجاء المنزل، فسقطت مغشياً عليها.

قد يعجبك ايضا
تعليقات