منذ بداية رمضان وأنا غارق في دعوات لا تتجاوز حدود الدنيا كل سجدة كل رفع يد كل همسة بيني وبين الله كانت طلبًا لحاجة دنيوية مال، نجاح، راحة بال، كل شيء إلا الآخرة. لم أدرك ذلك إلا الليلة، حين صلى بجواري شاب لم يتجاوز الثانوية.
في السجود، وسط همومي التي أثقلت قلبي، سمعت صوته الخافت يهمس: “اللهم يسر حسابي.”
كأنما ضربني كف على وجهي أيقظني من غفلتي.
كيف يكون كل دعائي للدنيا وهذا الشاب الصغير لا يرى أمامه سوى الآخرة؟
كيف انشغلت بأحمالي وهو يحمل هم الحساب؟
توقفت عن الدعاء لنفسي. دعوت له من أعماق قلبي أن يستجيب الله دعاءه أن يجبر خاطره أن ييسر حسابه كما تمنى. ومع كل حرف خرج من لساني، شعرت أن روحي تخف أن ثِقل الدنيا بدأ يتلاشى.
خرجت من المسجد كما دخلته بجسدي، لكن بروح مختلفة. كنت مهمومًا، فاقدًا للسكينة، أرى الدنيا جبلًا يضغط على صدري. أما الآن، فأراها كما هي—زائلة، عابرة، لا تستحق أن تكون أكبر همي.
اللهم يسر حسابي وحسابه، ولا تجعل الدنيا أكبر همنا ولا مبلغ علمنا، واجعل الجنة دارنا وقرارنا.
عدت إلى البيت، لكني لم أعد كما خرجت.
جلست في هدوء، أسترجع المشهد، وأتأمل الدعاء الذي أيقظني من غفلتي. كيف لم أفكر في ذلك من قبل؟ كيف كان قلبي غارقًا في مطالب الدنيا حتى نسيت أهم سؤال سيواجهني يومًا: “كيف سيكون حسابي؟”
توجهت إلى المصحف، فتحته بعشوائية، فوقعت عيني على الآية:
“يومئذ تُعرضون لا تخفى منكم خافية.” (الحاقة: 18)
شعرت بقشعريرة تسري في جسدي. يوم الحساب، كل شيء مكشوف، كل شيء مسجل، ولا مفر. أين كان عقلي طوال هذا الوقت؟ لماذا لم يكن هذا همي الأول؟
في تلك الليلة، لم أستطع النوم بسهولة. كنت أسترجع أيامي الماضية، أراجع نفسي، وأدرك أنني كنت أعيش وكأنني خالد في هذه الدنيا. كيف كنت أدعو الله أن يحقق لي أحلامي، دون أن أدعو أن يغفر لي زلاتي؟ كيف كنت أطلب الرزق، دون أن أطلب القبول؟
مع أذان الفجر، توضأت وصليت بخشوع لم أشعر به منذ فترة طويلة. لم أطلب أي شيء دنيوي في دعائي. فقط قلتها من أعماق قلبي:
“اللهم يسر حسابي.”
وفي هذه اللحظة، أدركت أن هذا هو الدعاء الذي كنت بحاجة إليه طوال حياتي، لكنه جاءني متأخرًا، على لسان شاب ربما لم ألتقِ به مجددًا، لكنه غير مجرى حياتي إلى الأبد.
