بقلم: أحمد خالد
السجود هو لحظة العبد الأقرب إلى ربه، لحظة تنصهر فيها الهموم وتغتسل الروح، فيكون القلب في أمان والروح في سكينة. يقول النبي ﷺ: “أقرب ما يكون العبد من ربه وهو ساجد”، فكيف للعبد أن يُعرض عن هذه النعمة، ويحرم نفسه من القرب الذي فيه الفرج والراحة؟
كثيرون يعانون من هموم لا يعرفون سببها، يتعثرون في أمور حياتهم رغم توافر الأسباب، ويعيشون في ضيقٍ دائمٍ رغم سعة الدنيا من حولهم. والسبب؟ أنهم قطعوا أنفسهم عن مصدر القوة والطمأنينة، عن السجود الذي فيه مفتاح الحل لكل معضلة. كان النبي ﷺ إذا أهمه أمر “فزع إلى الصلاة”، وكأنها الملجأ الأول والأخير في مواجهة الشدائد.
يقول أحد العلماء: “لا تقم من سجودك حتى تقول كل ما في قلبك”، فالسجود ليس مجرد حركة، بل هو بثّ للشكوى، وباب للرجاء، وسرٌ من أسرار العبودية التي فيها العزة والكرامة. لا كرامة في الدنيا لمن لا يعرف طريق السجود، ولا قضاء لحاجاته إلا بالمرور على الله خمس مرات في اليوم والليلة.
السجود.. دواء القلوب العطشى
كم من أصحاب المال والرفاهية يشتكون من القلق والتعب النفسي ويقولون: “مش عارف أنام”! نقول لهم: لقد أظمأتم أرواحكم بحرمانها من السجود، فالعطش الحقيقي ليس للجسد، بل للقلب حين يُحجب عن نهر القرب من الله.
يقول النبي ﷺ: “كل أمتي يدخلون الجنة إلا من أبى”، وهل هناك أعظم من أن يكون السجود طريقًا لدخول الجنة؟ فالله عز وجل أمر بالاستعانة في هذه الدنيا بالصبر والصلاة، ولكنه استدرك فقال: “وإنها لكبيرة إلا على الخاشعين”، فالسجود امتحان للخضوع، ومن لم يسجد طواعية، كُتب مع من “حق عليهم العذاب”.
السجود.. رمز القرب وأعظم العبادات
لما كان السجود أحب الأعمال إلى الله، شرع لنا الصلاة وجعلها جبرًا للإنسان في يومه، وشرع سجود السهو لجبر النقص فيها، ولم يشرع مثله للذكر أو الصيام. بل إن الله قدّم السجود في قوله: “يا مريم اقنتي لربك واسجدي واركعي مع الراكعين”، رغم أن الركوع يسبق السجود في الترتيب، لكنه قدمه لأنه الأحب إليه.
يقول النبي ﷺ: “أرأيتم لو أن نهرًا بباب أحدكم يغتسل منه كل يوم خمس مرات، هل يبقى من درنه شيء؟”، قالوا: لا يبقى من درنه شيء، قال: “فذلك مثل الصلوات الخمس؛ يمحو الله بهن الخطايا”، ولم يقل الوضوء، لأن السجود في الصلاة أعظم ما فيها، به تُغفر الذنوب وتُمحى الأوجاع.
السجود.. السلاح الأقوى في وجه الشيطان
السجود ليس مجرد عبادة، بل هو إعلان للهزيمة الكبرى لعدو الإنسان الأول، إبليس الذي رفض السجود فأصبح مطرودًا من رحمة الله. ولهذا قال الله تعالى: “كلا لا تطعه واسجد واقترب”، فكلما سجدت، اقتربت من الله وابتعدت عن وساوس الشيطان.
كل شيء في الكون يسجد لله: “ألم تر أن الله يسجد له من في السماوات ومن في الأرض والشمس والقمر والنجوم والجبال والشجر والدواب وكثير من الناس وكثير حق عليه العذاب”. فمن هم هؤلاء الذين حق عليهم العذاب؟ إنهم الذين لم يسجدوا، الذين استكبروا عن طاعة الله، وحُرموا من لذة القرب منه.
السجود مفتاح السعادة، وأمان القلب، وطريق النجاة.. فكيف تحرم نفسك منه؟
