القاهرية
العالم بين يديك

فن الهروب العظيم: مهارة أم جبن؟

48

د. عيد علي
في عالم مليء بالمشاكل هناك نوعان من البشر: الأول هو ذلك الذي يقتحم الأزمات كما يقتحم طفل جائع علبة بسكويت والثاني هو الحكيم – أو الجبان حسب وجهة نظرك – الذي يبتعد عن المشاكل وكأنها زائر ثقيل يطرق باب منزله في منتصف الليل.

الابتعاد عن المشاكل لا يعني الضعف بل هو فن راقٍ لا يتقنه سوى المخضرمون في تجنب الدراما.
هؤلاء الأبطال غير المُقدّرين يملكون قدرة مذهلة على الاختفاء وقت الحاجة كأنهم محترفو خفة يد في سيرك الحياة.
في لحظة تكون معهم في نقاش حاد وفي اللحظة التالية تراهم يحتسون الشاي في مكان مجهول مبتسمين وكأن العالم بأسره مشكلة تخص شخصًا آخر!

وعندما يتهمهم أحد بالجبن يبتسمون بهدوء شديد – وهو فن آخر بالمناسبة – ثم يرددون حكمتهم العظيمة: “الحياة قصيرة جدًا لنقضيها في جدالات عقيمة مع أشخاص يعتقدون أن الفوز في نقاش أشبه بالفوز بكأس العالم!”

لذا إن كنت ممن يتجنبون المشاكل فهنيئًا لك!
أنت لست ضعيفًا بل مجرد شخص عرف مبكرًا أن السعادة تكمن في الجلوس بعيدًا عن الفوضى ومشاهدة الآخرين يتشاجرون على أشياء لن تهم أحدًا بعد أسبوع!
وبينما ينشغل البشر في معاركهم الصغيرة حول من كان على حق ومن كان على خطأ يجلس محترفو الهروب في زاويتهم المفضلة يحتسون القهوة يراقبون المشهد بابتسامة هادئة وربما يضيفون تعليقًا ساخرًا بين الحين والآخر مثل: “الحياة قصيرة ولكنها ليست قصيرة بما يكفي لنتحمل كل هذا الهراء!”

هؤلاء الأشخاص لديهم موهبة خارقة في التظاهر بالاهتمام أثناء التفكير في شيء آخر تمامًا كالتخطيط لوجبتهم القادمة أو تحليل آخر مباراة لكرة القدم. وعندما يحاول أحدهم جرّهم إلى مشكلة يكون لديهم مخزون هائل من الأعذار التي تجعل أي محاولة للاحتكاك بهم أشبه بملاحقة شبح. فهم إما “مشغولون جدًا” أو “بحاجة لبعض الوقت للتفكير” أو ببساطة يختفون في ظروف غامضة ويعودون للظهور بعد انتهاء العاصفة وكأنهم لم يكونوا هناك أصلاً!

المذهل أن هؤلاء الفلاسفة المعاصرين لا يشعرون بأي تأنيب ضمير بل على العكس يؤمنون بأن الحياة أكثر متعة عندما تُعاش بعيدًا عن الحروب الكلامية والمشاحنات التي لا طائل منها. فلسفتهم في الحياة بسيطة: لا تتورط في معركة لا يوجد فيها جائزة وهذا المبدأ وحده يكفي لجعل حياتهم أكثر هدوءًا من محيط بلا أمواج.

لذلك إذا كنت من هؤلاء العباقرة في فن الابتعاد فلا تقلق أنت لست جبانًا بل مجرد شخص يفهم جيدًا أن المشاكل تشبه أمواج البحر من الأفضل مشاهدتها من الشاطئ مع مشروب بارد بدلاً من الغرق فيها بلا داعٍ!

قد يعجبك ايضا
تعليقات