القاهرية
العالم بين يديك

نحن من نصنع الطاووس من الديك!

28

د _ عيد علي
في زمن العجائب حيث يمكن للفجل أن يصبح فاكهة إذا صدّقه عدد كافٍ من الحمقى نصنع من العدم أساطير ونمنح من لا قيمة له تاجًا مرصّعًا بأحجار التصفيق والتطبيل!

تخيل رجلًا عاديًا جدًا إلى درجة أن ظله يعتذر منه لانعدام الكاريزما لكنه يجد حوله جوقة من المصفقين يرفعونه فوق الأعناق كأنه “نابليون” رغم أن أقصى فتوحاته كانت في سوق الخضار! لماذا؟ لأننا نحن من صنع له هالة من الأهمية وأوهمناه أنه لا يُشق له غبار رغم أنه يعاني حتى في كتابة منشور على فيسبوك بلا أخطاء إملائية.

نعيش في عالم يمكن لأي شخص أن يصبح “رمزًا” إذا امتلك الميكروفون الصحيح والجمهور المستعد للتصديق حتى لو كانت بضاعته مجرد فقاعات هواء. نطبل نصفق نرفع ثم نتعجب لاحقًا من غروره كأننا لم نكن نحن المهندسين المعماريين لبرج الوهم الذي يسكنه!

في المرة القادمة عندما تجد نفسك منبهرًا بشخص لا تعرف تحديدًا لماذا هو مهم تذكر: ربما هو مجرد ديك لكننا جميعًا ألبسناه ريش الطاووس!

ثم يأتي اليوم الذي يصدق فيه هذا الديك أنه طاووس فيمشي مختالًا نافشًا ريشه غير الموجود يلقي علينا خطبًا منمقة ويعاملنا وكأننا رعية في مملكته الوهمية. نحن من منحناه المنصة ونحن من صنعنا وهجه الزائف لكنه الآن يعتقد أنه وُلِد متوّجًا!

المشكلة الحقيقية ليست فيه بل فينا! نحن الذين صنعنا هذا الوحش النرجسي غذّيناه بالمديح سقيناه بالتصفيق ثم تفاجأنا عندما بدأ في افتراسنا بالنظرات المتعالية والقرارات العشوائية. كان مجرد شخص عادي لكننا أصررنا على أن نجعله “الملهم”، رغم أن إلهامه الوحيد هو عدد الإعجابات على منشوراته!

ثم يحدث ما يحدث دائمًا… نبدأ في التذمر نشكو من تسلطه نتهامس عن تفاهته وكأننا لم نكن نحن من صنعه بأيدينا.
وعندما ينهار هذا الصرح الورقي نقف متعجبين: “كيف سقط؟!”، وكأننا لم نبنِه على أساس من الريح.

الدرس هنا بسيط جدًا: لا تصنع من الفقاعة جبلًا ولا تجعل من كل ناطق في الميكروفون قائدًا. وإلا فلا تلومنّ إلا نفسك عندما يتحول إلى طاغية صغير يظن نفسه قيصرًا رغم أن أقصى إنجازاته أنه يعرف كيف يفتح تطبيق الكاميرا على وضع السيلفي!

قد يعجبك ايضا
تعليقات