القاهرية
العالم بين يديك

حينما يكون اللطف خطراً: دروس في العلاقات الإنسانية

19

د _ عيد علي

الناس يشبهون الأطفال فإن دللتهم تمادوا في غيّهم وبالغوا في اقتراف أفعال غير مقبولة وغير معقولة.

لذلك أنصح العقلاء بعدم الإفراط في الحلم والرأفة وألا يكونوا ودودين أكثر من اللازم مع الناس.

إنك لن تخسر صديقًا إن رفضت إقراضه مالًا ولكنك ستخسره إن أقرضته ولم يسدد ما اقترضه منك.
لن تخسره عندما تعامله ببعض التعالي أو الإهمال بل ستخسره حينما تبالغ في التودد إليه حتى يغدو متعجرفًا لا يُطاق فيحلّ الجفاء والقطيعة بينكما.

هناك من يصبح متعجرفًا ومزهوًّا بنفسه بمجرد أن يشعر أنك بحاجة إليه ويظن أنك لا تستطيع الاستغناء عنه.
وما إن تُكثر الحديث معه بحميمية ومكاشفة حتى يتملكه يقينٌ بأنه يستحق منك كل هذا الاهتمام ويطالب بالمزيد حتى ينقلب تواضعك معه إلى جرأة وافتئات عليك.

قلة قليلة من الناس تستحق المعاشرة الحميمية لذلك الحذر ثم الحذر من التودد لمن هبّ ودبّ من ذوي الطبائع الخسيسة والدنيئة.

لو ظن أحدهم أنك تحتاج إليه أكثر مما يحتاج إليك سيتملكه إحساس بأنك سرقت منه شيئًا فيسعى للثأر منك أو الانكفاء على نفسه.

لهذا أنصح العقلاء بفعل المستحيل حتى لا يكونوا في حاجة إلى الآخرين وأن يُظهروا هذا الاستغناء كلما سنحت لهم الفرصة.
تلك هي الطريقة الوحيدة للحفاظ على التفوق وعنصر السبق في العلاقات.

بل من الحكمة أيضًا أن يشعر الآخرون—نساءً ورجالًا—بأنك قادر على الاستغناء عنهم في أي وقت وبلا سابق إنذار.
وهذا هو الشرط الحقيقي لتوطيد عُرى الصداقة إذ يحرص الناس دائمًا على تقدير من لا يقدّرهم.

هناك مثل إيطالي يقول: “الناس يقدّرون من لا يقدّرهم.”
وإن كانت في قلب العاقل معزة خاصة لأحد فليحرص على إخفائها عنه كما لو كانت جريرة.

قد لا تعجب هذه الوصايا البعض لكنها عين الصواب!
فالكلاب بالكاد تطيق اللطف الزائد وكذلك البشر.

— آرثر شوبنهاور
من كتاب: فن العيش الحكيم

قد يعجبك ايضا
تعليقات