القاهرية
العالم بين يديك

هذا هو الحب : قصة زليخة وسيدنا يوسف

34

 

بقلم / عادل النمر 

 

ألم العشق يذيب القلب ويجلب الهم، وهذا ما نراه في قصة حب من طرف واحد، عندما أحبت، بل عشقت، زليخة زوجة عزيز مصر سيدنا يوسف عليه السلام. إنها قصة تفرض علينا تساؤلًا: ما فائدة الحب إذا ضاع العمر في الانتظار؟ وماذا نفعل إذا كان الحنين أشد من الكبرياء؟

قصة حب السيدة زليخة لنبي الله يوسف عليه السلام قصة درامية مليئة بالتفاصيل والأحداث المثيرة، تجسد أسمى معاني الحب. فلا يوجد عشق مثل عشق هذه السيدة لسيدنا يوسف؛ فقد كانت من أجمل فتيات مصر، وزوجة عزيزها، لكنها أحبته بطريقة لا يمكن وصفها.

شغل الحديث عن “زليخة” آيات كثيرة من سورة يوسف، فقد كانت تحيا حياة ترف ونعيم، وتتسلح بقوة السلطان، لكن فتنها نبي الله يوسف عليه السلام بجماله وعفته، وحطم كبرياءها بورعه وتقواه، فاتهمته ظلمًا بما ارتكبته هي من إثم. ثم ازدادت إصرارًا على إغوائه، وعندما شاع خبرها بين نساء المدينة، حيكت له المؤامرة حتى يدخل السجن لامتناعه عن مطاوعتهن.

لكنها، وبعد بضع سنين، اعترفت بجرأتها وندمها، وتابت إلى الله، وبرّأت يوسف عليه السلام. وكانت زليخة تردد دائمًا:

“ستبقى تلك العينان تهيم شغفًا وحبًا إلى لقائك!! فما كان حبك إلا أمر ربي، وما كان قلبي إلا عبدًا مطيعًا.”

لقد ذكر أن زليخة كانت تدعو الله دائمًا أن تتزوج من سيدنا يوسف، فكانت تقول:

“اللهم إنك أنزلت حب يوسف في قلبي، فإما أن تزوجني إياه، أو أن تنزع حبه من قلبي.”

لكن القرآن الكريم لم يذكر أن سيدنا يوسف تزوج بأي امرأة، وبالتالي لم يرد أي نص يثبت أو ينفي دعاء زليخة للزواج منه.

عشق زليخة لنبي الله يوسف عليه السلام ذكره القرآن الكريم في سورة يوسف، فقد ابتُلي نبي الله بالجمال والحب، وتعرض للصعوبات بسبب من أحبوه، وعلى رأسهم زليخة. بل قيل إن أربعمائة فتاة بكر ماتت عشقًا في سيدنا يوسف عليه السلام.

عندما دخل يوسف السجن، طلبت زليخة من جلاده أن يجلده بشدة لتسمع صوته. فكان الجلاد كاذبًا، فادّعى أنه يعذبه بينما لم يفعل. وحين عاقبته زليخة على كذبه، قال لها:

“سيدتي، أنا أجلده يوميًا خمسين جلدة.”

فقالت له: “أنت كاذب.”

فسألها: “وكيف علمتِ أنني كاذب؟”

فقالت: “لأنني لم أشعر بوجع يوسف في قلبي حين كنت تجلده.”

وحين أمرته أن يجلده حقًا، فعل ذلك. وبعد أول جلدة، أوقفته وقالت:

“ارفع سوطك عن حبيبي يوسف، فقد قطّعت قلبي من الألم.”

 

عندما تولى يوسف الملك، أصبحت زليخة امرأة فقيرة، قد شاب رأسها، وعميت عيناها، وتقوس ظهرها من الحب والاشتياق.

وذات يوم، جلست أمام بيتها وبجانبها جاريتها، ثم نهضت فجأة وقالت:

“إني أسمع ركاب خيل يوسف من بعيد!”

فقالت الجارية: “إلى هذا الحد تعشقيه؟!”

فأخذت زليخة سكينًا وجرحت يدها، حتى سال الدم على الأرض وكتب اسم يوسف على التراب بدمها، وقالت:

“إن عشقي وحبي له لهيب لا ينطفئ.”

وعندما مرّ موكب يوسف، أوقفته زليخة، فنظر إليها وسألها:

“أين شبابك وجمالك؟”

فقالت:

“لقد ذهب كل هذا من أجلك!”

فقال لها:

“كيف لو رأيتِ رجلًا آخر الزمان، أجمل مني، وأكرم مني، وهو سيد الرسل وخاتمها؟”

فقالت زليخة:

“آمنت بذلك النبي!”

حينها جاء جبريل عليه السلام إلى يوسف وقال له:

“يا يوسف، قل لزليخة إن الله تاب عليها ببركة النبي محمد ﷺ، وقل لها أن تطلب ثلاث حاجات.”

فقال لها يوسف: “اطلبي ثلاث أمنيات.”

فقالت:

أن يرد الله شبابي وبصري.

أن أكون زوجتك.

أن أكون معك في الجنة.

فاستجاب الله دعاءها، ونالت شرف الدنيا وسعادة الآخرة بحبها للنبي محمد ﷺ.

هل تزوج يوسف عليه السلام من زليخة؟

على الرغم من انتشار الروايات حول زواج يوسف عليه السلام من زليخة، إلا أنه لم يرد في القرآن الكريم أو السنة النبوية ما يثبت ذلك أو ينفيه.

ختامًا

لم يتهم القرآن الكريم زليخة إلا بالمراودة، وقد عفا الله عنها، ورجع لها بصرها وشبابها وجمالها، وهناك روايات تقول إنها تزوجت سيدنا يوسف، وأنجبت منه ولدين.

وأنا، كاتب هذا المقال، أعذرها، فلو بحثنا عن الحب، لوجدنا عذابًا وألمًا لم يكن في الحسبان. فألم الحب يمزق الجسد، وعذابه يدمر القلب، ويذهب العقل.

الحب فيروس يدخل القلب، فيترك فيه قرحة لا تزول، ونارًا لا تنطفئ، يشعلها الحنين والاشتياق لمن نحب.

لكِ الله يا زليخة، كيف تحملتِ عذاب كل هذه السنين؟ لكن في النهاية، رضي الله عنك، وكانت سعادتك في الدنيا والآخرة.

يا زليخة، عظم الله أجرك… عظم الله أجرك.

قد يعجبك ايضا
تعليقات