محمود سعيد برغش
في تلك الليلة الباردة، كان “رامي” يسير وحيدًا في شوارع المدينة التي اكتست بالصقيع. لم يكن البرد وحده ما ينهش أوصاله، بل الوحدة التي ازدادت قسوة مع كل خطوة يخطوها. رفع ياقة معطفه ليحتمي من الرياح العاتية، لكن لا شيء كان يحميه من فراغ قلبه.
تذكر “مريم”، كيف كانت تضحك وهي تدفئ يديه بكفيها الصغيرتين، كيف كانت تعشق الشتاء بينما هو كان يكرهه. قال لها ذات مرة:
— “الشتاء قاسٍ، بارد، لا يرحم أحدًا.”
فضحكت وقالت:
— “بل هو موسم الحنين، يذكرنا بمن نحب.”
واليوم، يقف في منتصف الطريق، يشعر أن الشتاء يعزف لحناً قاسيًا على أوتار قلبه، يثلج أوردته دون رحمة. تساقطت الثلوج ببطء، تمامًا كذكرياته معها، واحدة تلو الأخرى، حتى غطّت كل شيء.
مدّ يده كأنه يحاول الإمساك بشيء غير مرئي، لكنه لم يجد سوى الفراغ. همس لنفسه:
— “لم يكن الشتاء هو القاسي، بل الوحدة التي تركتني بها…”
ثم أكمل طريقه، بينما تردد الرياح صدى لحنه الحزين.
