القاهرية
العالم بين يديك

الانتحار.. مأساة العصر بين اليأس ورجاء الرحمة

20

د/حمدان محمد
في زمن تزايدت فيه الضغوط النفسية والاجتماعية، أصبح الانتحار ظاهرة مقلقة تتفاقم بين فئات المجتمع المختلفة، وخاصة الشباب. وبينما يحاول البعض إيجاد مبررات لهذا الفعل المؤلم، فإن الدين الإسلامي يضع لنا منهجًا واضحًا يحذر من عواقبه ويدعو إلى التمسك بالأمل مهما اشتدت المحن.
ويعد الانتحار من كبائر الذنوب التي نهى عنها الإسلام بشدة، فقد قال النبي ﷺ: “من قتل نفسه بشيء في الدنيا عذب به يوم القيامة” (رواه البخاري ومسلم). وهذا الحديث يشير بوضوح إلى خطورة الفعل، حيث يعاني المنتحر من العذاب في الآخرة بنفس الأداة التي استخدمها لإنهاء حياته.
كما قال الله تعالى: {وَلَا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا} (النساء: 29)، وهذا نهي صريح عن إزهاق الروح التي وهبها الله للإنسان.
وعلى الرغم من وضوح الحكم الشرعي، فإن العلماء فرقوا بين من ينتحر يأسًا أو اعتراضًا على أقدار الله، وبين من يقع في ذلك بسبب مرض نفسي شديد أو اضطراب عقلي. فالأخير قد يكون غير مسؤول عن تصرفاته، ويؤمل أن يشمله عفو الله برحمته الواسعة.
ويقول النبي ﷺ في الحديث الصحيح: “إن الله تجاوز عن أمتي الخطأ والنسيان وما استُكرهوا عليه” (رواه ابن ماجه). وهذا يشير إلى أن من فقد وعيه وإدراكه بسبب مرض نفسي قد يكون في حكم المرفوع عنه القلم.
وقد تتعدد أسباب الانتحار بين الاكتئاب، وضغوط الحياة، والمشكلات الأسرية، والفقر، والفراغ الروحي، وكلها تحديات تحتاج إلى مواجهة مجتمعية ودينية. وهنا يأتي دور الدين في تقديم العلاج النفسي والروحي، حيث يبعث الإيمان في النفس الطمأنينة، قال الله تعالى: {أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ} (الرعد: 28).
كما أن الدعم الاجتماعي، والتواصل الأسري، والرعاية النفسية من أهم عوامل الحماية ضد الوقوع في هذه الأزمة.
فمهما اشتدت الأزمات، فإن رحمة الله أعظم من كل هم، والتوبة مفتوحة لكل من ضاقت به الدنيا. ولنتذكر دائمًا قول النبي ﷺ: “لَا يَمُوتَنَّ أَحَدُكُمْ إِلَّا وَهُوَ يُحْسِنُ الظَّنَّ بِاللَّهِ” (رواه مسلم). فمهما كان الألم، يبقى الأمل في الله هو النور الذي يبدد ظلام اليأس.

قد يعجبك ايضا
تعليقات