د/حمدان محمد
مصر، كنانة الله في أرضه، البلد الذي حظي بمكانة عظيمة في كتب السماء، واحتضن بين جنباته أنبياء الله ورسله، وكان شاهدًا على محطات فاصلة في تاريخ الإنسانية. إنها مصر العظيمة، التي جمعت بين قدسية الماضي، وشموخ الحاضر، وعظمة المستقبل، فكانت ولا تزال قلب العروبة، ومنارة الإسلام، وقلعة الحضارة.
فقد حظيت مصر بذكرها في القرآن الكريم، وارتبطت بها قصص الأنبياء، فقد قال الله تعالى:
﴿ادْخُلُوا مِصْرَ إِنْ شَاءَ اللَّهُ آمِنِينَ﴾ [يوسف: 99]،
وقال تعالى على لسان فرعون: ﴿أَلَيْسَ لِي مُلْكُ مِصْرَ وَهَٰذِهِ الْأَنْهَارُ تَجْرِي مِن تَحْتِي﴾ [الزخرف: 51].
كما وصفها النبي محمد ﷺ بأنها:
“كنانة الله في أرضه”، أي أنها موضع الحفظ والرعاية،
وقال أيضًا: “إذا فتح الله عليكم مصر، فاتخذوا فيها جندًا كثيفًا، فذلك الجند خير أجناد الأرض”، فقيل له: ولم ذلك يا رسول الله؟ قال: “لأنهم وأزواجهم في رباط إلى يوم القيامة”.
فلم تكن مصر مجرد أرض مباركة، بل كانت مهبطًا للأنبياء وملجأً لهم، ومن أبرز المحطات النبوية:
1/سيدنا إبراهيم عليه السلام دخل مصر واستقبلته بحفاوة، وتزوج فيها السيدة هاجر.
2/سيدنا يوسف عليه السلام عاش في مصر وزيرًا وأمينًا على خزائنها، وكانت قصته معروفة للجميع، وذاع صيته في ربوعها.
3/سيدنا موسى عليه السلام ولد بمصر، وشهدت سيناء رحلته العظيمة مع بني إسرائيل، وناجى الله في جبل الطور، حيث قال تعالى: ﴿وَنَادَيْنَاهُ مِن جَانِبِ الطُّورِ الْأَيْمَنِ﴾ [مريم: 52].
4السيد المسيح عيسى عليه السلام عبد الله ورسوله جاء إلى مصر مع السيدة مريم العذراء رضي الله عنها في رحلتها المقدسة، فكانت أرض مصر ملاذًا آمناً لهم.
وفيها سيناء، قطعة غالية من أرض مصر، ليست فقط أرض المعارك والانتصارات، بل هي أيضًا الأرض التي تجلى الله فيها لنبيه موسى عليه السلام، كما ورد في قوله تعالى:
﴿فَلَمَّا تَجَلَّىٰ رَبُّهُ لِلْجَبَلِ جَعَلَهُ دَكًّا﴾ [الأعراف: 143].
كما كانت سيناء عبر العصور بوابة النصر والتحرير، فقد شهدت نضالات لا تُنسى، كان أبرزها حرب أكتوبر المجيدة عام 1973، حيث سطر الجيش المصري ملحمة بطولية لاستعادة الأرض والكرامة.
ومن أبرز ما تفخر به مصر، الأزهر الشريف، الذي تأسس منذ أكثر من ألف عام، ليكون قلعةً للعلم والإسلام، ومصدرًا لنشر الوسطية والاعتدال، ومحاربة الغلو والتطرف.
فالأزهر ليس مجرد صرح علمي، بل هو منارة عالمية يأتي إليها الطلاب من كل أنحاء العالم، يتعلمون أصول الدين واللغة، ويأخذون عن علمائه منهج التسامح والسلام، ليعودوا إلى بلادهم سفراء للإسلام الصحيح.
أما على الصعيد التاريخي، فمصر كانت المهد الأول للحضارة الإنسانية، إذ قامت فيها أولى الحضارات على ضفاف النيل، منذ عصر الفراعنة الذين تركوا للبشرية الأهرامات، والمعابد، والبرديات، والعلوم المتنوعة في الفلك والطب والهندسة.
ولم تتوقف الحضارة عند العصور القديمة، بل استمرت عبر العصور، فكانت مصر مركزًا للفتوحات الإسلامية، وقلعة للصمود أمام الحملات الصليبية، وحائط صد ضد التتار، وبوابة النصر في العصر الحديث خلال حرب أكتوبر.
فمصر الحديثة.. نهضة تجمع بين الماضي والحاضر
واليوم، تستمر مصر في مسيرتها التنموية، تجمع بين أصالة الماضي وحداثة المستقبل، وتسير بخطى ثابتة نحو النهضة، مدعومة بشعبها الأصيل، وجيشها الباسل، وعلمائها ومفكريها.
فهي القلب النابض للأمة العربية، والمفتاح الرئيسي لاستقرار الشرق الأوسط، ودائمًا ما تلعب دورًا محوريًا في قضايا العروبة والإسلام، مناصرة للقضية الفلسطينية، ومدافعة عن قضايا الحق والعدل في المحافل الدولية.
وستظل مصر الكنانة درع الأمة وسيفها، منارة العلم والدين، وقبلة الحضارة والتاريخ، فمصر ليست مجرد وطن، بل هي رسالة إلهية وتاريخ إنساني لا ينقطع، وستبقى كما وصفها التاريخ دائمًا:
وإذا ذُكر الإسلام، كان الأزهر شاهدًا..
“إذا ذُكرت العروبة، ذُكرت مصر..
وإذا ذُكر النصر، كانت سيناء ساحة العزة والمجد.”
حفظ الله مصر وشعبها، وأدام عليها الأمن والأمان، وجعلها دائمًا كنانته في الأرض.
