القاهرية
العالم بين يديك

مصر والموقف الثابت: رفض تهجير الفلسطينيين وإعادة تأكيد السيادة الوطنية

12

بقلم / د حمدان محمد
منذ بداية الحديث عن مخططات تهجير الفلسطينيين، اتخذ الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي موقفًا صارمًا وحازمًا برفض أي محاولات لإجبار الفلسطينيين على مغادرة أراضيهم، مؤكدًا أن هذا الأمر يُعد “خطًا أحمر” لا يمكن تجاوزه. ومنذ أكتوبر 2023، برزت مصر كأحد أبرز الأصوات التي تعارض هذا السيناريو، انطلاقًا من مبادئها التاريخية الداعمة للقضية الفلسطينية، وحرصها على أمنها القومي واستقرار المنطقة.
*موقف واضح منذ البداية*
في أكتوبر 2023، ومع تصاعد التوتر في قطاع غزة، حذّر السيسي من أن تهجير الفلسطينيين إلى سيناء لن يكون مقبولًا بأي شكل، مشددًا على أن مثل هذا الإجراء لن يكون في مصلحة الفلسطينيين أنفسهم، حيث سيؤدي إلى فقدان حقهم في العودة إلى وطنهم. كما أكد أن تهجير الفلسطينيين إلى مصر قد يحوّل سيناء إلى نقطة صراع مستمرة، وهو ما لا يمكن السماح به.
وفي خطاب ألقاه خلال مؤتمر صحفي عالمي، شدد السيسي على أن “المصريين لن يقبلوا بهذا الأمر”، مضيفًا أن مصر دفعت ثمنًا باهظًا في سبيل الحفاظ على استقرارها وأمنها القومي، ولن تسمح بأي سيناريو قد يهدد هذا الاستقرار.
ومع تزايد الضغوط الدولية والمناقشات حول مستقبل قطاع غزة، شدد الرئيس عبدالفتاح السيسي في مناسبات عدة على أن مصر لن تسمح بتحويل الأراضي المصرية إلى بديل للفلسطينيين المهجرين. وفي يناير 2025، صرّح بأن التهجير القسري هو “ظلم لا يمكن أن تشارك فيه مصر”، مشيرًا إلى أن الحل الوحيد العادل هو إنهاء الاحتلال الإسرائيلي وإقامة دولة فلسطينية مستقلة.
وأوضحت مصر في اتصالاتها مع القوى الدولية أن أي محاولة لفرض تهجير الفلسطينيين تحت أي مسمى، سواء “ممرات إنسانية” أو “مناطق مؤقتة”، لن تكون سوى خطوة نحو تصفية القضية الفلسطينية بالكامل، وهو ما ترفضه القاهرة بشدة.
ففي فبراير 2025، وصلت المواقف المصرية إلى ذروتها، عندما رفض السيسي حضور أي اجتماعات في البيت الأبيض تتناول خطط تهجير الفلسطينيين من غزة. جاء هذا الموقف في ظل تحركات مصرية دبلوماسية مكثفة، حيث عملت القاهرة على حشد الموقف العربي والدولي ضد أي مشاريع من شأنها المساس بحقوق الفلسطينيين.
كما لعبت مصر دورًا محوريًا في توحيد الموقف العربي لمواجهة أي تحركات تستهدف تغيير التركيبة السكانية لغزة، إذ قادت جهودًا داخل جامعة الدول العربية وخارجها، لتحذير المجتمع الدولي من العواقب الوخيمة لأي محاولات لتغيير خريطة النزاع الفلسطيني-الإسرائيلي عبر التهجير.
وتؤكد مصادر دبلوماسية أن مصر أجرت اتصالات مكثفة مع الولايات المتحدة، والاتحاد الأوروبي، والقوى الإقليمية، لنقل رسالة واضحة بأن القاهرة لن تتهاون في هذا الملف، وأن أي محاولة لفرض التهجير ستُقابل برد حاسم، سواء على المستوى السياسي أو القانوني.
وإن موقف الرئيس عبدالفتاح السيسي تجاه قضية تهجير الفلسطينيين ليس مجرد تصريح سياسي، بل هو انعكاس لموقف مصري راسخ يستند إلى اعتبارات استراتيجية وإنسانية وقومية. فمصر تدرك جيدًا أن حل القضية الفلسطينية لا يكون بتهجير أصحاب الأرض، بل بتمكينهم من حقوقهم المشروعة في دولتهم المستقلة.
ومن هذا المنطلق، تواصل القاهرة جهودها في احتواء الأزمة الإنسانية في غزة من خلال تقديم الدعم الإنساني والطبي، وفتح معبر رفح لاستقبال الجرحى والمرضى، ولكن دون السماح بأي خطوة قد تؤدي إلى تغيير ديموغرافي طويل الأمد في القطاع.
كما أن مصر لم تكتفِ بالرفض الكلامي فقط، بل اتخذت خطوات عملية، منها تعزيز التواجد الأمني على حدودها الشرقية، وتوجيه رسائل واضحة إلى إسرائيل والمجتمع الدولي بأن سيناء ليست ولن تكون موطنًا بديلًا للفلسطينيين
ولا تقتصر الجهود المصرية على رفض التهجير فقط، بل تعمل القاهرة أيضًا على إيجاد حلول سياسية تنهي الأزمة الفلسطينية الإسرائيلية من جذورها. ومن خلال مبادراتها الدبلوماسية واتصالاتها المستمرة مع الأطراف المعنية، تسعى مصر لإحياء عملية السلام وضمان حقوق الفلسطينيين المشروعة.
وفي ظل استمرار الأزمة، تواصل مصر تأكيد موقفها بأن الحل الوحيد العادل هو إقامة دولة فلسطينية على حدود 1967 وعاصمتها القدس الشرقية، وفقًا للشرعية الدولية. كما تعمل على تعزيز الجهود الإنسانية لإغاثة أهالي غزة دون المساس بثوابت القضية.
وإن الموقف المصري اليوم ليس مجرد موقف سياسي، بل هو التزام قومي وتاريخي يعكس مسؤولية مصر تجاه أمنها القومي وتجاه القضية الفلسطينية التي كانت وما زالت في صميم أولوياتها.

قد يعجبك ايضا
تعليقات