القاهرية
العالم بين يديك

تحويل ‌القبلة

12

بقلم حسن محمود الشريف
كان النبي ﷺ يصلي في مكة متجهًا إلى بيت المقدس والكعبة بين يديه، فلما هاجر إلى المدينة لم يستطع أن يجمع بين الأثنين، فصلى في بداية الأمر إلى بيت المقدس، وعقب ذلك بحوالي ستة عشر شهرًا أو سبعة عشر، استقبل الكعبة، وكان ﷺ يحب أن تكون قبلته إلى الكعبة قبلة إبراهيم، فكان يكثر الدعاء والتضرع إلى الله لذلك.
ثم قال لجبريل: (وددت لو أن الله جعل مكة أو الكعبة قبلتي، فقال له جبريل: إنما أنا عبد فادع الله واسأله، فأخذ صلى الله وعليه وسلم يدعو ربه ويسأله، ويرجو أن يحقق له مقصوده، ويقلب وجه تعالىه في السماء، فأنزل الله جل وعلا قوله: {قَدْ نَرَى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّمَاءِ فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً تَرْضَاهَا} [البقرة:144])
وأسند يحيى عن ابن عباس، قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا وقف يصلّي انتظر أمر الله في القبلة، وكان يفعل أشياء مما لم يؤمر بها ولم يُنْهَ عنها من فعل أهل الكتاب، قال: فبينما رسول الله صلى الله عليه وسلم يُصلّي، فأشار جبريل: يا محمد صلّ إلى البيت، وصلّى جبريل عليه السلام إلى البيت، قال: فدار النبي صلى الله عليه وسلم إلى البيت، قال: فأنزل الله تعالى: {قَدْ نَرَى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّمَاءِ فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً تَرْضَاهَا} إلى: {وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا يَعْمَلُونَ}
ويوم أن جاء الأمر الرباني بتحويل القبلة من المسجد الأقصى الذي تحاك حوله المؤامرات هذه الأيام إلى البيت الحرام ليتميز المسلمون في كل شيء، بلغ المسلمين الخبر في أطراف المدينة وهم في الصلاة، يروي هذه الحادثة الصحابي الجليل عَبْدُ اللَّهِ بنُ عُمَرَ -رضي الله عنهما- فيقول: “بَيْنَا النَّاسُ بِقُبَاءٍ فِي صَلَاةِ الصُّبْحِ، إِذْ جَاءَهُمْ آتٍ فَقَالَ: إِنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ أُنْزِلَ عَلَيْهِ اللَّيْلَةَ قُرْآنٌ، وَقَدْ أُمِرَ أَنْ يَسْتَقْبِلَ الْكَعْبَةَ فَاسْتَقْبِلُوهَا، وَكَانَتْ وُجُوهُهُمْ إِلَى الشَّأْمِ، فَاسْتَدَارُوا إِلَى الْكَعْبَةِ” رواه البخاري.
إنهم لم ينتظروا حتى يكملوا الصلاة، بل استداروا وهم ركوع في الصلاة خشية أن يقعوا في دائرة معصية الله ورسوله، لقد هزموا بالاستجابة لأمر الله ورسوله ثورة نفوسهم وحظوظهم الدنيوية وعصبياتهم الجاهلية.

وتحويل القبلة كان في السنة الثانية للهجرة في الإسلام، حيث تم تحويل اتجاه الصلاة (القبلة) من المسجد الأقصى في القدس إلى الكعبة في مكة المكرمة.
فنزل القران بعد ذلك بمعجزة عظيمة وهى اخبار الرسول صلى الله عليه وسلم بأن السفهاء من الناس سيقولون ما ولاهم عن قبلتهم وذلك فى قوله تعالى
( سَيَقُولُ السُّفَهَاءُ مِنَ النَّاسِ مَا وَلَّاهُمْ عَنْ قِبْلَتِهِمُ الَّتِي كَانُوا عَلَيْهَا قُلْ لِلَّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ (142) وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا وَمَا جَعَلْنَا الْقِبْلَةَ الَّتِي كُنْتَ عَلَيْهَا إِلَّا لِنَعْلَمَ مَنْ يَتَّبِعُ الرَّسُولَ مِمَّنْ يَنْقَلِبُ عَلَى عَقِبَيْهِ وَإِنْ كَانَتْ لَكَبِيرَةً إِلَّا عَلَى الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُضِيعَ إِيمَانَكُمْ إِنَّ اللَّهَ بِالنَّاسِ لَرَءُوفٌ رَحِيمٌ (143) قَدۡ نَرَىٰ تَقَلُّبَ وَجۡهِكَ فِی ٱلسَّمَاۤءِۖ فَلَنُوَلِّیَنَّكَ قِبۡلَةࣰ تَرۡضَىٰهَاۚ فَوَلِّ وَجۡهَكَ شَطۡرَ ٱلۡمَسۡجِدِ ٱلۡحَرَامِۚ وَحَیۡثُ مَا كُنتُمۡ فَوَلُّوا۟ وُجُوهَكُمۡ شَطۡرَهُۥۗ وَإِنَّ ٱلَّذِینَ أُوتُوا۟ ٱلۡكِتَٰبَ لَیَعۡلَمُونَ أَنَّهُ ٱلۡحَقُّ مِن رَّبِّهِمۡۗ وَمَا ٱللَّهُ بِغَٰفِلٍ عَمَّا یَعۡمَلُونَ ۝144﴾ البقرة
الوقفة الأولي : سيقول السفهاء الفعل يقول هنا مضارع مسبوق بالسين للاستمرار لا للاستقبال ، في قوله تعالى. سيقول السفهاء [ البقرة : 142 ] ; لأن ذلك إنما نزل بعد قولهم ( ما ولاهم فجاءت السين إعلاما بالاستمرار لا للاستقبال وبغباءهم قالوا ذلك باستمرار
: وهذا من إثبات النبوة للنبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ فإن إخبار الله عز وجل نبيه بمقالة السفهاء قبل أن يقولوها آية ومعجزة ، وقد أخبر الله تبارك وتعالى بما سيقوله السفهاء عند تحول القبلة من بيت المقدس إلى الكعبة، قبل وقوع الأمر بالتحويل، ولهذا دلالته فهو يدل على نبوة رسول الله – صلى الله عليه وسلم – إذ هو أمر غيبي، فأخبر عنه ـ صلى الله عليه وسلم ـ بآيات قرآنية قبل وقوعه ثم وقع، فدل ذلك على أنه – صلى الله عليه وسلم – رسول ونبي يخبره الوحي بما سيقع، إذ من الأدلة على صدق رسالة الرسول، أن يخبر بأمور غيبية ثم تقع بعد ذلك كما أخبر.
فلما تحول النبي صلى الله عليه وسلم إلى البيت العتيق، قال السفهاء: {مَا وَلَّاهُمْ عَنْ قِبْلَتِهِمُ الَّتِي كَانُوا عَلَيْهَا} [البقرة:142] فأتى الرد من الله عز وجل علي السفهاء الذين لا أحلام لهم ولا عقول إذ قال جل وعلا {سَيَقُولُ السُّفَهَاءُ مِنَ النَّاسِ مَا وَلَّاهُمْ عَنْ قِبْلَتِهِمُ الَّتِي كَانُوا عَلَيْهَا} [البقرة:142]
الوقفة الثانية : من السفهاء من الناس ؟
(سَيَقُولُ السُّفَهَاءُ مِنَ النَّاسِ) السفهاء من الناس ثلاثة طوائف أحبار يهود مشركوا العرب والمنافقون في المدينة ومعهم ضعفاء الإيمان والآية عامة في هؤلاء كلهم، والله أعلم
والسفه جهل وحمق وطيش والسفه يكون حتى في غير بني آدم، فنقله الله جل وعلا من مجازه المتسع إلى حقيقته المختصرة، فالسفه يكون حتى في الدواب، يكون حتى في الطير، لكن الله جل وعلا عندما قال: {مِنَ النَّاسِ} [البقرة:١٤٢] نقله من مفهومه الواسع الذي يمكن أن نصطلح عليه أنه توسع الناس فيها مجازاً إلى حقيقته المختصرة المخاطب بها، وهم كل من اعترض على تحويل القبلة
فقالت اليهود: لقد ترك قبلة الأنبياء، ولو كان نبياً لما ترك قبلتهم (وهو قول مجاهد )
وقال القرشيون في مكة وغيرها : يوشك محمد أن يرجع إلى ديننا كما رجع إلى قبلتنا، وإن هذا من أمارات أننا على الحق (قاله الزجاج )
وقال أهل النفاق وهم يومئذ قليل؛ لأن شوكة المنافقين لم تظهر إلا بعد بدر، وأما قبل بدر فكان النفاق في المدينة قليلاً، فقال بعض ضعفاء الإيمان والمنافقون آنذاك: إن محمداً لا يدري أين يتوجه، فإن كان أولاً على الحق فقد ترك الحق، وإن كان في توجهه إلى مكة اليوم على الحق فقد كان محمد على الباطل، فتركوا الدين (قاله السدي )
وانفردت طائفة رابعه هم أهل الإيمان والصدقت وهم اهل الإستجابة لله ورسوله الذي استداروا وهم في الصلاة ومن خوفهم علي اخوانهم الذين ماتوا علي القبلة الأولي سألوا فقالوا وددنا لو علمنا علم من مات منا قبل أن نصرف إلى القبلة، وكيف بصلاتنا نحو بيت المقدس، فأنزل الله {وَما كانَ اللهُ لِيُضِيعَ إِيمانَكُمْ }
عَنِ الْبَرَاءِ رضي الله عنه: «أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم صَلَّى إِلَى بَيْتِ الْمَقْدِسِ سِتَّةَ عَشَرَ شَهْرًا، ‌أَوْ ‌سَبْعَةَ ‌عَشَرَ ‌شَهْرًا، وَكَانَ يُعْجِبُهُ أَنْ تَكُونَ قِبْلَتُهُ قِبَلَ الْبَيْتِ، وَإَِنَّهُ صَلَّى، أَوْ صَلَّاهَا، صَلَاةَ الْعَصْرِ وَصَلَّى مَعَهُ قَوْمٌ، فَخَرَجَ رَجُلٌ مِمَّنْ كَانَ صَلَّى مَعَهُ فَمَرَّ عَلَى أَهْلِ الْمَسْجِدِ وَهُمْ رَاكِعُونَ، قَالَ: أَشْهَدُ بِاللهِ، لَقَدْ صَلَّيْتُ مَعَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قِبَلَ مَكَّةَ، فَدَارُوا كَمَا هُمْ قِبَلَ الْبَيْتِ، وَكَانَ الَّذِي مَاتَ عَلَى الْقِبْلَةِ قَبْلَ أَنْ تُحَوَّلَ قِبَلَ الْبَيْتِ رِجَالٌ قُتِلُوا، لَمْ نَدْرِ مَا نَقُولُ فِيهِمْ، فَأَنْزَلَ اللهُ: {وَمَا كَانَ اللهُ لِيُضِيعَ إِيمَانَكُمْ إِنَّ اللهَ بِالنَّاسِ لَرَؤُوفٌ رَحِيمٌ} انفرد به البخاري من هذا الوجه
وروى البخاري عَنِ البَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ : ” أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ أَوَّلَ مَا قَدِمَ المَدِينَةَ نَزَلَ عَلَى أَجْدَادِهِ ، أَوْ قَالَ أَخْوَالِهِ مِنَ الأَنْصَارِ ، وَأَنَّهُ صَلَّى قِبَلَ بَيْتِ المَقْدِسِ سِتَّةَ عَشَرَ شَهْرًا ، أَوْ سَبْعَةَ عَشَرَ شَهْرًا ، وَكَانَ يُعْجِبُهُ أَنْ تَكُونَ قِبْلَتُهُ قِبَلَ البَيْتِ ، وَأَنَّهُ صَلَّى أَوَّلَ صَلاَةٍ صَلَّاهَا صَلاَةَ العَصْرِ، وَصَلَّى مَعَهُ قَوْمٌ ، فَخَرَجَ رَجُلٌ مِمَّنْ صَلَّى مَعَهُ ، فَمَرَّ عَلَى أَهْلِ مَسْجِدٍ وَهُمْ رَاكِعُونَ ، فَقَالَ: أَشْهَدُ بِاللَّهِ لَقَدْ صَلَّيْتُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قِبَلَ مَكَّةَ ، فَدَارُوا كَمَا هُمْ قِبَلَ البَيْتِ ، وَكَانَتِ اليَهُودُ قَدْ أَعْجَبَهُمْ إِذْ كَانَ يُصَلِّي قِبَلَ بَيْتِ المَقْدِسِ ، وَأَهْلُ الكِتَابِ، فَلَمَّا وَلَّى وَجْهَهُ قِبَلَ البَيْتِ ، أَنْكَرُوا ذَلِكَ
وروى مسلم عَنْ أَنَسٍ : ” أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يُصَلِّي نَحْوَ بَيْتِ الْمَقْدِسِ»، فَنَزَلَتْ: ( قَدْ نَرَى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّمَاءِ فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً تَرْضَاهَا فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ ) البقرة/ 144، فَمَرَّ رَجُلٌ مِنْ بَنِي سَلَمَةَ وَهُمْ رُكُوعٌ فِي صَلَاةِ الْفَجْرِ، وَقَدْ صَلَّوْا رَكْعَةً ، فَنَادَى : أَلَا إِنَّ الْقِبْلَةَ قَدْ حُوِّلَتْ ، فَمَالُوا كَمَا هُمْ نَحْوَ الْقِبْلَةِ
وروى مسلم (526) عَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ : ” بَيْنَمَا النَّاسُ فِي صَلَاةِ الصُّبْحِ بِقُبَاءٍ إِذْ جَاءَهُمْ آتٍ فَقَالَ: إِنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدِ اُنْزِلَ عَلَيْهِ اللَّيْلَةَ ، وَقَدْ أُمِرَ أَنْ يَسْتَقْبِلَ الْكَعْبَةَ فَاسْتَقْبِلُوهَا ، وَكَانَتْ وُجُوهُهُمْ إِلَى الشَّامِ ، فَاسْتَدَارُوا إِلَى الْكَعْبَةِ
الوقفة الثالثة : كيفية التحول
أما كيفية تحول الصحابة رضي الله عنهم – الذين بلغهم أن القبلة قد تحولت – في أثناء الصلاة ، فكان ذلك : بأن استدار الإمام ومن معهم من المأمومين من مكانهم على شكل نصف دائرة ، بحيث أصبح الإمام في مؤخرة المسجد من جهة الكعبة ، والرجال خلفه ، والنساء في مكان الرجل .
ولا يلزم من قوله : ( استداروا ) و ( مالوا ) في الأحاديث السابقة : أن يكون هناك شق للصفوف من قِبل الإمام ، بل يحتمل أن ما حصل هو مجرد استداره .
قال الحافظ ابن حجر رحمه الله : ” وَوَقَعَ بَيَانُ كَيْفِيَّة التَّحَوُّل فِي حَدِيث ثُوَيْلَة بِنْت أَسْلَمَ عِنْد اِبْن أَبِي حَاتِم ، وَقَدْ ذَكَرْت بَعْضه قَرِيبًا وَقَالَتْ فِيهِ : ” فَتَحَوَّلَ النِّسَاء مَكَان الرِّجَال وَالرِّجَال مَكَان النِّسَاء , فَصَلَّيْنَا السَّجْدَتَيْنِ الْبَاقِيَتَيْنِ إِلَى الْبَيْت الْحَرَام ” .
قُلْت : وَتَصْوِيره أَنَّ الْإِمَام تَحَوَّلَ مِنْ مَكَانه فِي مُقَدَّم الْمَسْجِد إِلَى مُؤَخَّر الْمَسْجِد ; لِأَنَّ مَنْ اِسْتَقْبَلَ الْكَعْبَة اِسْتَدْبَرَ بَيْت الْمَقْدِس , وَهُوَ لَوْ دَارَ كَمَا هُوَ فِي مَكَانه لَمْ يَكُنْ خَلْفه مَكَان يَسَع الصُّفُوف , وَلَمَّا تَحَوَّلَ الْإِمَام تَحَوَّلَتْ الرِّجَال حَتَّى صَارُوا خَلْفه ، وَتَحَوَّلَتْ النِّسَاء حَتَّى صِرْنَ خَلْف الرِّجَال , وَهَذَا يَسْتَدْعِي عَمَلًا كَثِيرًا فِي الصَّلَاة ، فَيُحْتَمَل أَنْ يَكُون ذَلِكَ وَقَعَ قَبْل تَحْرِيم الْعَمَل الْكَثِير ، كَمَا كَانَ قَبْل تَحْرِيم الْكَلَام , وَيُحْتَمَل أَنْ يَكُون اُغْتُفِرَ الْعَمَل الْمَذْكُور مِنْ أَجْل الْمَصْلَحَة الْمَذْكُورَة , أَوْ لَمْ تَتَوَالَ الْخُطَى عِنْد التَّحْوِيل بَلْ وَقَعَتْ مُفَرَّقَة ، وَاللَّهُ أَعْلَم ” انتهى من ” فتح الباري ”
وذكر غير واحد من المفسرين وغيرهم: أن تحويل القبلة نزل على رسول الله وقد صلى ركعتين من الظهر، وذلك في مسجد بني سلمة، فسمي مسجد القبلتين، وفي حديث نويلة بنت مسلم: أنهم جاءهم الخبر بذلك وهم في صلاة الظهر، قالت: فتحول الرجال مكان النساء والنساء مكان الرجال، ذكره الشيخ أبو عمر بن عبد البر النمري، وأما أهل قباء فلم يبلغهم الخبر إلى صلاة الفجر اليوم الثاني، كما جاء في الصحيحين عن ابن عمر رضي الله عنهما، أنه قال بينما الناس بقباء في صلاة الصبح، إذ جاءهم آت فقال: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد أنزل عليه الليلة قرآن وقد أمر أن يستقبل الكعبة فاستقبلوها، وكانت وجوههم إلى الشام فاستداروا إلى الكعبة .
(مَا وَلَّاهُمْ عَنْ قِبْلَتِهِمُ الَّتِي كَانُوا عَلَيْهَا) وَلاّه يعني حرفه ورده. . والقبلة التي كانوا عليها هي بيت المقدس. .
وهنا يأتي الحق برد جامع هو أن أوامر الله الإيمانية لا ترتبط بالعلة فيقول قلهم يا محمد (قُلْ لِلَّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ )
{فَأَيْنَما تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللهِ} [البقرة: 115] و {لَيْسَ الْبِرَّ أَنْ تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَلكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللهِ} [البقرة: 177] أي الشأن كله في امتثال أوامر الله والمعنى: أننا نحن متعبدون بأن نعبد الله جل وعلا كما أمر، والله جل وعلا له ملك المشرق وله ملك المغرب، وليس في المشرق والمغرب تفاضل في ذاتها إنما نحن عبيد لله نأتمر بأمره أي أنك إذا اتجهت إلى بيت المقدس أو اتجهت إلى الكعبة أو اتجهت إلى أي مكان في هذا الكون فالله موجود فيه
الوقفة الرابعة : الهداية الي القبلة هداية الي الطريق المستقيم
قال تعالى: {يَهْدِي مَن يَشَآءُ إلى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ} . . الصراط هو الطريق المستقيم لا التواء فيه بحيث يكون أقرب المسافات إلى الهدف. والله سبحانه وجهنا لبيت المقدس فهو صراط مستقيم نتبعه. . وجهنا إلى الكعبة فهو صراط مستقيم نتبعه. . فالأمر لله
عباد الله : لابد ان نستقبل القبلة بقلوبنا قبل أجسامنا
فعن عبد الرحمن بن الحارث المخزومي قال: اشتد وجع سعيد بن المسيب فدخل عليه نافع بن جبير يعوده، فأغمى عليه، فقال
نافع: وجهوه ففعلوا فأفاق فقال: من أمركم أن تحولى فراشي إلى القبلة أنافع؟ قال: نعم، قال له سعيد: لإن لم أكن على القبلة والملة والله لا ينفعني توجيهكم فراشي، فإذا لم تكن وجهة المسلم إلى الملة الحنيفية لا ينفعه أن يوجه بعد موته إلى القبلة .
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين

قد يعجبك ايضا
تعليقات