القاهرية
العالم بين يديك

حين تظنّ الحمير أنها خيولٌ أصيلة!

14

د. عيد علي

في زمنٍ اختلطت فيه المعايير وأصبح الرديء يتصدر المشهد ظنّت بعض الحمير أنها خيولٌ أصيلة تظن أنها قادرة على الركض في ميادين السباق لكنها سرعان ما تنكشف عند أول اختبار.

الزيف لا يدوم
قد يتزين الحمار بالذهب والحرير وقد يحاول التشبّه بالخيل في مظهره وهيئته لكنه يظلّ في حقيقته أسير طباعه الأصلية. فالفرق بين الأصيل والمزيف لا تصنعه الملابس الفاخرة أو الألقاب الرنانة بل يُكشف في لحظة الصدق حيث لا تنفع الزينة ولا الخداع.
كم من دعيٍّ تزيّن بالفصاحة ليُخفي خواءه وكم من متسلّقٍ اعتلى الأكتاف في غفلةٍ من الزمن لكنه سرعان ما يهوي عند أول امتحانٍ حقيقي.

المعادن الحقيقية تظهر في الأزمات
عندما تدقّ طبول المعارك يفرّ من ادّعى البطولة بينما يبقى الفرسان الحقيقيون صامدين رغم العواصف.
فليست كل من اعتلت عرش القوة تستحقه وليست كل من تزينت بالهيبة جديرة بها.
قد تَحكم الذئاب قصور الجاه والسلطة وقد يُقتل الليوث ظلمًا في عرينها لكن الحق لا يُمحى وإن طال عليه الزمان.

النهاية محسومة
الأيام تدور ولا يصحّ إلا الصحيح فالخيل تبقى خيولًا أصيلة مهما تعرضت للعثرات والحمير تبقى حميرًا مهما تزيّنت.
قد يعيش الرديء في وهْم العظمة لبعض الوقت، لكنه يسقط عند أول مواجهةٍ مع الحقيقة. فكما أن الشمس لا تُغطّى بغربال فإن المظاهر لا تُغيّر الجوهر، ومهما ساد الباطل، فإن الفجر سيبزغ، ويعود كل شيء إلى نصابه.

فاصبر، فمهما علت أصوات النهيق، سيظلّ صهيل الخيول هو الأجمل وسيبقى الأصيل أصيلًا ولو تكالبت عليه السنون.

قلْ للحميرِ وإنْ طالتْ معالفُها
لن تسبقَ الخيلَ في ركضِ الميادينِ

تبقى الحميرُ حميرًا حتى إذا
لجّمتَهمُ ذهبًا أو أطعمتَهم تينًا

وقد تُسمِعُ الليثَ الجِحاشُ نهيقَها
وتعلو إلى البدرِ نباحُ الكلابِ

ولأنَّ الخيلَ قد قلَّتْ
تحلّتْ حميرُ الحيِّ بالسَّرْجِ الأنيقِ

وإذا ظهرَ الحمارُ بزيِّ خيلٍ
انكشفَ أمرُهُ عندَ النهيقِ

لكنْ وإنْ لبسَ الحريرَ حمارُهمُ
يبقى الحمارُ حمارًا رغمَ تزييني

فالفرقُ بيّنٌ بينَ الخيلِ تعرِفُها
وبينَ من يعشقُ الركضَ بلا عينِ

فالخيلُ تعلو على العلياءِ صاهلةً
والحُمْرُ تصرخُ بالنكراءِ واللينِ

كم من حمارٍ توهَّمَ العزَّ مرتديًا
تيجانَ قومٍ وأوسمةَ السلاطينِ

لكنَّهُ حينما يُدعَى لمَعْرَكَةٍ
يعودُ يصرخُ بينَ القومِ: منقذِي!

تبقى الطباعُ كما كانتْ وما عهِدَتْ
ريحُ العطورِ تغيِّرُ نتنَ سِكينِ

كم من دَعِيٍّ تنطَّقَ الفَصاحَةَ كي
يُخفي خَواءً بعقلٍ غيرِ موزونِ

يرقى الحمارُ على الأكتافِ في زمنٍ
قد صارَ فيهِ طويلُ العُمرِ مسجونِ

والليثُ يُقتلُ ظلمًا في عرينِهِ
والذئبُ يحكمُ قصرَ الجاهِ والطينِ

لكنَّها سُننُ الأيّامِ جاريةٌ
والحقُّ يبقى ولو في كفِّ مجنونِ

فالخيلُ تعلو وإن جارَ الزمانُ بها
والحُمرُ تُدفَنُ في قاعِ الدهاريرِ

يمضي الزمانُ وتبقى سُنّةُ الحِقَبِ
أن يستقيمَ لفرسانِ الدنا ليني

مهما اعتلى فوقَ ظهرِ الجِيدِ أرذَلُهم
يبقى الرَّديءُ رديئًا دونَ تمكينِ

فالخيلُ تسمو بأخلاقٍ ومعرفةٍ
والحُمرُ تعثرُ في وحلِ الدواهِينِ

كم فارسٍ عاثرتهُ الريحُ منتصبًا
لكنّهُ عادَ بالمجدِ المصلينِ

أما الحَميرُ وإن طالت مسيرتُها
ففي نهاياتِها خُسرانُ مسكينِ

فاصبرْ على زمنٍ قد باتَ يُكرمُ من
يمشي برِجلَيْنِ لكنْ دونَ عقلينِ

سيُبعثُ الفجرُ في الآفاقِ مبتهجًا
ويَسقُطُ الظلمُ في قيدِ الميادينِ

قد يعجبك ايضا
تعليقات