القاهرية
العالم بين يديك

التعليم في مصر.. إلى أين؟

140

بقلم: بسمة خالد
التعليم ليس ساحة للتجارب العشوائية، لكنه منظومة تحتاج إلى رؤية واضحة واستراتيجية طويلة المدى، وهذا ما تفتقده مصر منذ سنوات. مع كل تغيير في القيادة التعليمية، نجد أن السياسات تُلغى وتُستبدل بأخرى، وكأننا نبدأ من الصفر في كل مرة، دون النظر إلى تأثير ذلك على الطلاب والمعلمين ومستقبل الأجيال القادمة. هذه العشوائية جعلت المنظومة في حالة من عدم الاستقرار، حيث يُطبق نظام جديد اليوم، ليتم التخلي عنه بعد سنوات قليلة لصالح رؤية أخرى، مما يطرح تساؤلًا مهمًا: هل نحن بصدد تطوير حقيقي أم مجرد إعادة تدوير للأفكار؟

على مدار السنوات الماضية، شهدنا محاولات عديدة لتطوير التعليم، بدءًا من تعديل نظام الثانوية العامة، وصولًا إلى إدخال التكنولوجيا في العملية التعليمية من خلال “التابلت”. هذا المشروع وحده بلغت تكلفته أكثر من ٩ مليارات جنيه، لكنه واجه صعوبات كبيرة، من ضعف البنية التحتية إلى عدم تأهيل المعلمين والطلاب لاستخدامه بكفاءة. النتيجة؟ لم يؤدِّ إلى التحول المأمول، لكن أثار مزيدًا من الجدل حول فعالية التخطيط والتنفيذ. قبل ذلك، كانت هناك تغييرات أخرى، مثل “الثانوية التراكمية”، التي لم تستمر طويلًا، ما يعكس غياب رؤية واضحة ومستقرة.

أما الحديث عن إعادة إحياء نظام “البكالوريا” فيبدو وكأنه محاولة للرجوع إلى الماضي بدلًا من تطوير الحاضر. وفقًا لتقرير التنافسية العالمية، احتلت مصر المركز ١٣٩ من أصل ١٤١ دولة في جودة التعليم الأساسي لعام ٢٠١٩، مما يشير بوضوح إلى أن المشكلة لا تكمن في استرجاع أنظمة تعليمية قديمة، لكن في بناء نموذج حديث يواكب احتياجات العصر. الأجيال الحالية تنشأ وسط ثورة رقمية، وتعتمد بشكل أساسي على التكنولوجيا، فهل يكون الحل هو إعادة نماذج من حقب سابقة، أم ابتكار منظومة جديدة تتماشى مع التطورات العالمية؟

ومن بين المقترحات التي أُثيرت مؤخرًا، فكرة تعريب دراسة الطب، وهي خطوة قد تحمل تبعات عديدة على مستقبل الخريجين وفرص اندماجهم في الأوساط الطبية العالمية. تشير الإحصائيات إلى أن أكثر من ٩٥٪؜ من الأبحاث الطبية تُنشر باللغة الإنجليزية، مما يعني أن أي تغيير في لغة الدراسة يجب أن يُدرس بعناية لضمان عدم عزل الطلاب والأطباء عن أحدث التطورات البحثية. إذا كان الهدف من المقترح هو تعزيز الهوية اللغوية، فالسؤال هنا: كيف يمكن تحقيق ذلك دون التأثير على قدرة الأطباء على مواكبة الأبحاث العالمية والمشاركة في المؤتمرات الدولية؟ إن مستقبل الأطباء المصريين وتنافسية الجامعات المصرية عالميًا يستدعي نقاشًا أوسع حول مثل هذه المقترحات قبل اتخاذ أي قرارات مصيرية.

السؤال الأهم هنا: أين دور خبراء التعليم في مصر؟ ولماذا يتم اتخاذ قرارات مصيرية بعيدًا عن رؤيتهم؟ الدول التي نجحت في تطوير منظومتها التعليمية، مثل فنلندا وسنغافورة، اعتمدت على استراتيجيات طويلة المدى، وليس على تغييرات متسرعة تفرضها رؤية شخصية لمسؤول بعينه. تطوير التعليم لا يتم بين ليلة وضحاها، ولا يتحقق بتجربة نظام جديد ثم التخلي عنه بعد سنوات قليلة، لكن يحتاج إلى خطة مدروسة ومستقرة، تأخذ في الاعتبار صعوبات الواقع ومتطلبات المستقبل.

من المؤسف أن البعض لا يزال يعتقد أن الحل في العودة إلى الوراء، بدلًا من بناء نموذج تعليمي جديد يتماشى مع العصر. تجربة الأفكار العشوائية على الطلاب ليست حلًا، لكن المطلوب هو إصلاح جذري ومستدام يضع مصر في مكانها الطبيعي ضمن منظومة التعليم العالمية.

فمتى يكون للتعليم رؤية ثابتة لا تتغير بتغير الأشخاص؟

قد يعجبك ايضا
تعليقات