القاهرية
العالم بين يديك

شهر شعبان.. شهر يغفل عنه الناس

97

د حمدان محمد
خلق الله تعالى الزمان وجعل أيامه وشهوره تتفاوت في الفضل والبركة، فكما فضَّل بعض الأنبياء على بعض، ورفع بعض الأماكن على غيرها، فقد اختار سبحانه أوقاتًا معينة ليجعلها مواسم للخير ومضاعفة الأجور. فجعل يوم الجمعة خير أيام الأسبوع، وليلة القدر خير الليالي، وشهر رمضان أفضل الشهور، ومنح العشر الأوائل من ذي الحجة منزلة عظيمة. وهذا التفضيل ليس عبثًا، بل هو رحمة من الله بعباده، ليكون لهم في كل حين فرصة للتقرب إليه، وميدان للتنافس في الطاعات، ونيل مغفرته ورضوانه.
ومن بين هذه الشهور المباركة، يبرز شهر شعبان الذي يغفل عنه كثير من الناس، رغم مكانته العظيمة واستعداد النبي ﷺ فيه لاستقبال رمضان بالإكثار من الطاعات، وخاصة الصيام.
فلشهر شعبان فضليات ينبغي علينا أن نعلمها جيداً
1. رفع الأعمال إلى الله
من أعظم ما يميز شهر شعبان أن الأعمال تُرفع فيه إلى الله عز وجل، وهذا يستوجب من المسلم أن يحرص على الإكثار من الطاعات حتى تُرفع أعماله وهو في طاعة، كما قال النبي ﷺ: “ذلك شهر يغفل الناس عنه بين رجب ورمضان، وهو شهر تُرفع فيه الأعمال إلى رب العالمين، فأحب أن يُرفع عملي وأنا صائم” (رواه النسائي).
وهذا الحديث يكشف لنا حكمة النبي ﷺ في اغتنام هذا الشهر بالعبادة، فكما أن هناك رفعًا يوميًا للأعمال في صلاتي الفجر والعصر، ورفعًا أسبوعيًا يوم الإثنين والخميس، فإن هناك رفعًا سنويًا في شهر شعبان، وهذا يجعل منه فرصة عظيمة لمراجعة النفس، والإكثار من العمل الصالح، وتطهير القلب من الذنوب والمعاصي.
2. الإكثار من الصيام
كان النبي ﷺ يصوم في شعبان أكثر من غيره، حتى قالت السيدة عائشة رضي الله عنها: “ما رأيت النبي ﷺ استكمل صيام شهر قط إلا رمضان، وما رأيته في شهر أكثر صيامًا منه في شعبان” (رواه البخاري ومسلم).
وقد تعددت الأسباب التي ذكرها العلماء في سبب إكثار النبي ﷺ من الصيام في هذا الشهر، ومنها:
كونه شهرًا يغفل عنه الناس، فيكون الصيام فيه أشد إخلاصًا لله بعيدًا عن الرياء.

كونه مقدمة لشهر رمضان، فيكون تدريبًا للنفس على الصيام والعبادة.

كونه شهرًا تُرفع فيه الأعمال، وكان النبي ﷺ يحب أن يُرفع عمله وهو صائم.
3. ليلة النصف من شعبان
وردت عدة أحاديث تبين فضل ليلة النصف من شعبان، منها حديث النبي ﷺ: “يطَّلع اللهُ إلى جميع خلقه ليلةَ النصفِ من شعبان، فيغفر لجميع خلقه، إلا لمشرك أو مشاحن” (رواه ابن ماجه).
وهذه الليلة المباركة تفتح أبواب المغفرة لمن تطهر من الذنوب، وصفى قلبه من الشرك والحقد، وهذا يدل على أهمية تصفية النفوس، والتسامح، وترك الأحقاد، ليكون الإنسان أهلاً لرحمة الله تعالى. ولكن لابد من أن يسأل كل إنسان منا نفسه !
كيف نستعد لشهر رمضان في شعبان؟
شهر شعبان ليس مجرد شهر يسبق رمضان، بل هو محطة إيمانية تهيئ المسلم للدخول في رمضان بقلب نقي ونشاط روحي مرتفع. لذا، يمكن استغلال هذا الشهر في الأمور التالية:
1. الإكثار من الصيام
الصيام في شعبان يعوّد النفس على الصيام قبل رمضان، مما يجعل صيام رمضان أيسر. ومن السنة أن يصوم المسلم ما استطاع من هذا الشهر، خاصة في النصف الأول منه، فقد نهى النبي ﷺ عن الصيام بعد النصف إلا لمن اعتاد الصيام فمن كانت عادتة الصيام طوال العام فهو خارج عن الحكم
2. التوبة والاستغفار
بما أن الأعمال تُرفع في هذا الشهر، فمن المستحب أن يكون العبد في طاعة وقت رفعها، وأن يجتهد في التوبة والاستغفار، حتى تُرفع أعماله وهو في حالة نقاء روحي.
3. قراءة القرآن
يُستحب أن يبدأ المسلم في زيادة ورد تلاوته للقرآن في شعبان، حتى يكون معتادًا على كثرة التلاوة في رمضان، فقد كان السلف الصالح يسمون شهر شعبان “شهر القرّاء” لكثرة إقبالهم على القرآن فيه.
4. ترك الخصومات والمشاحنات
لأن المغفرة في ليلة النصف من شعبان لا تشمل المشاحن والمخاصم، فمن الحكمة أن يستغل المسلم هذا الشهر في تصفية قلبه، والتسامح مع الناس، ونبذ العداوات، حتى يكون مستعدًا لاستقبال رمضان بقلب نقي.
5. الإكثار من الأعمال الصالحة
مثل الصدقة، وصلاة النافلة، وصلة الأرحام، والدعاء، لأن هذا الشهر من مواسم الطاعة التي ينبغي اغتنامها.
فشهر شعبان هو فرصة عظيمة لمن أراد أن يتهيأ لشهر رمضان، وهو شهر يغفل عنه كثير من الناس، لذا ينبغي للمسلم أن يغتنمه بالصيام والطاعات، وأن يكون مستعدًا لاستقبال رمضان بروح إيمانية قوية. فكما أن الرياضي يستعد للسباق بالتدريب، فإن المسلم يستعد لرمضان بالطاعة في شعبان.
نسأل الله أن يبارك لنا في شعبان، وأن يبلغنا رمضان، ويعيننا فيه على الصيام والقيام، ويتقبل منا صالح الأعمال.

قد يعجبك ايضا
تعليقات