بقلم: بسمة خالد
أخصائي علم النفس والإرشاد الأسري
العلاقة بين الأم وأبنائها يُفترض أن تكون قائمة على الحب والاحتواء، لكن ماذا لو كانت الأم هي مصدر التحدي النفسي الأكبر؟ عندما تكون الأم نرجسية، تتحول العلاقة إلى ساحة معركة غير متكافئة، حيث يبحث الأبناء عن الحب والقبول، بينما تستخدم الأم هذه الحاجة وسيلة للسيطرة والتلاعب. فكيف يمكن للأبناء حماية أنفسهم دون الوقوع في فخ العقوق أو الشعور بالذنب؟
هل أمي نرجسية؟
الأم النرجسية ليست بالضرورة شخصًا شريرًا، لكنها تعاني من اضطراب يجعلها متمحورة حول ذاتها بشكل مفرط. تحتاج إلى التقدير الدائم، وتجد صعوبة في التعاطف مع مشاعر الآخرين، حتى أبنائها. تعتبر أبناءها امتدادًا لها، وليسوا أشخاصًا مستقلين، وغالبًا ما تتلاعب بعواطفهم لتحقيق رغباتها.
علامات واضحة على أن الأم نرجسية:
١- السيطرة المطلقة
لا مجال لديك لاتخاذ قراراتك الخاصة، فالأم النرجسية تفرض رأيها في كل تفاصيل حياتك، من طريقة لباسك إلى قراراتك المصيرية. تعاملك وكأنك جزء من ممتلكاتها، وليس شخصًا مستقلاً.
٢- الغيرة من أي شخص قد يأخذ مكانها
تراها تتصرف بعدوانية تجاه زوجتك، صديقتك، أو حتى أشقائك إن شعرت أنهم يهددون مكانتها. ترى أي علاقة خارج إطار سيطرتها تهديدًا لسلطتها عليك.
٣- التلاعب العاطفي
تتقن فن جعلك تشعر بالذنب أو العار لتضمن ولاءك. قد تقول لك: “لقد ضحيت بكل شيء من أجلك، فكيف يمكنك أن تخذلني؟” فتجد نفسك محاصرًا بين رغبتك في الاستقلال وخوفك من أن تبدو جاحدًا.
٤- غياب التعاطف
مهما كنت حزينًا أو محتاجًا لدعمها، ستجد أنها لا تبالي بمشاعرك. قد تستهزئ بألمك أو تتجاهله تمامًا، مما يجعلك تشعر أنك غير مرئي أو غير مهم.
٥- التمييز بين الأبناء
تميل الأم النرجسية إلى تفضيل أحد أبنائها، الذي تسميه “الابن الذهبي”، وتمنحه كل المديح والاهتمام، بينما تنتقد الآخرين باستمرار، مما يخلق صراعًا بين الإخوة.
كيف تؤثر الأم النرجسية على أبنائها؟
-انعدام الثقة بالنفس: التنشئة في بيئة تتسم بالنقد المستمر والتلاعب يجعلك تشك في قيمتك الذاتية.
-القلق والاكتئاب: الضغط النفسي المستمر لمحاولة إرضائها قد يسبب لك اضطرابات نفسية مثل القلق أو الاكتئاب.
-التوتر في العلاقات: بسبب التلاعب العاطفي، قد تجد صعوبة في بناء علاقات صحية متوازنة، حيث تعتاد على استرضاء الآخرين أو تتجنب العلاقات تمامًا خوفًا من التلاعب مجددًا.
كيف تحمي نفسك دون أن تقع في العقوق؟
١- افهم طبيعتها، ولا تأخذ الأمور على محمل شخصي
عندما تدرك أن سلوكها ليس بسببك، لكن بسبب اضطرابها النفسي، ستبدأ في التعامل معها بوعي أكبر، دون أن تتأثر عاطفيًا بكل كلمة أو تصرف.
٢- ضع حدودًا واضحة
لا تسمح لها بالتدخل في قراراتك المصيرية أو التحكم في تفاصيل حياتك. ضع قواعد واضحة، وكن حازمًا في رفض محاولاتها للسيطرة دون أن تدخل في مواجهات غير ضرورية.
٣- لا تبحث عن رضاها، فهو سراب
مهما فعلت، لن تكون راضية تمامًا عنك، لأن احتياجاتها العاطفية لا حدود لها. بدلًا من محاولة إرضائها، ركّز على تحقيق سعادتك أنت.
٤- تعامل معها بعقلانية، لا بعاطفة
لا تدعها تستفزك عاطفيًا. عندما تبدأ في استخدام التلاعب العاطفي، ردّ عليها بهدوء ووضوح، ولا تنجر إلى مشاعر الذنب أو الخضوع العاطفي.
٥- احفظ مسافة صحية بينك وبينها
إذا كان تأثيرها السلبي كبيرًا جدًا على حياتك، فقد تحتاج إلى خلق مسافة صحية في العلاقة. هذا لا يعني قطع العلاقة، ولكن وضع حدود تحمي نفسك بها من تأثيراتها السلبية.
٦- احصل على دعم نفسي
التحدث إلى مختص نفسي يساعدك على التعامل مع آثار هذه العلاقة السامة. لا تخجل من طلب المساعدة، فالأذى النفسي قد يكون أعمق مما تتخيل.
ماذا عن “الابن الذهبي”؟
الابن الذهبي، الذي يحظى بتفضيل خاص من الأم، قد يواجه ضغطًا هائلًا ليكون مثاليًا في نظرها، مما يجعله يشعر بإحساس زائف بالأمان. إذا كنت الابن الذهبي، عليك أن تدرك التأثيرات السلبية لهذه المعاملة وتحاول بناء علاقة متوازنة مع إخوتك بعيدًا عن تأثير والدتك. أما إذا كنت أحد الأبناء الذين تعرضوا للإهمال بسبب تفضيل الأم، يجب أن تفهم أن ذلك ليس خطأك. من المهم فتح حوار مع إخوتك حول هذه الديناميكية لتخفيف الصراعات وتحقيق التوازن في العلاقة بينكم.
أخيراً، التعامل مع الأم النرجسية يتطلب وعيًا وصبرًا، وفي بعض الأحيان يحتاج إلى مساعدة خارجية لإعادة التوازن للعلاقات الأسرية. من المهم أن تتعامل معها دون الوقوع في العقوق، مع مراعاة أنه لا يمكن إرضاؤها مهما فعلت. يجب أن تكون مدركًا أن لديها اضطرابًا نفسيًا قد يؤثر عليك إذا لم تفهم التحدي الذي تواجهه. في النهاية، اللجوء إلى الله والدعاء هو الوسيلة التي يمكن أن تعينك في التعامل مع هذا الوضع الصعب.
