بقلم د _ عيد علي
مرت الأيام بطيئة، ثقيلة، كأن عقارب الساعة توقفت عن الدوران. كنت أشعر بثقل العزلة يضغط على صدري، لكن مع ذلك، كانت هناك شعلة صغيرة في أعماقي تأبى أن تنطفئ. كنت أُراقبها من بعيد، أترقب أي إشارة تدل على أنها تذكرني، ولو للحظة.
وفي إحدى الليالي الحالكة، بينما كنت أُطيل النظر إلى السماء عبر نافذتي الصغيرة، رأيت نجمًا وحيدًا يلمع في الظلام. استوقفني المشهد، وأحسست بشيءٍ غريبٍ يُخبرني بأن الأمل لم يضِع بعد.
بدأت أتساءل: هل يمكن أن تكون هذه الظلمات التي أعيشها ليست النهاية، بل اختبارًا؟ هل يمكن أن تكون الغيابات التي أُعانيها مقدمة لنورٍ قادم؟
في اليوم التالي، جاءني رسول من حاشيتها. كان يحمل رسالة، ليست كغيرها من الرسائل. كلماتها كانت واضحة وصارمة: “ابتعد عن طريقي، وإلا لن أرحمك.”
قرأت الرسالة مرارًا، شعرت بغضبٍ يجتاحني، ثم بحزنٍ عميق. تساءلت: هل يستحق قلبي كل هذا الألم؟ هل كانت تستحق أن أضعف من أجلها؟
قررت أن أتخذ خطوةً حاسمة. لن أعيش في هذا السجن الذي صنعته لنفسي. إن كانت قد اختارت طريقًا آخر، فلماذا لا أختار أنا أيضًا طريقًا جديدًا؟
بدأتُ أُعيد بناء مملكتي التي دمرتها الخيانة. جمعت من تبقى من جنودي، وأعدت ترميم الجدران التي هُدمت. في كل مرة كنت أشعر بالتعب، كنت أذكّر نفسي بأنها ليست النهاية، بل بداية جديدة.
وفي يومٍ من الأيام، وبينما كنت أعمل في بناء برجي الجديد، جاءتني رسالة أخرى. لكنها كانت مختلفة هذه المرة. كانت تحمل توقيعًا غامضًا. فتحت الرسالة بحذر، وقرأت الكلمات:
“أنا لم أكن يومًا ضدك. كنت أُحاول فقط أن أجد نفسي. لكن يبدو أنني أضعت الطريق.”
كانت تلك الكلمات كفيلة بإيقاظ عاصفةٍ في داخلي. تساءلت: هل كانت صادقة؟ أم أنها مجرد حيلة أخرى؟
قررت أن أختبر نواياها. دعوتها للقاء، لكن هذه المرة كنتُ مختلفًا. كنت قويًا، حازمًا، لا أبحث عن استجداء حبٍ قديم، بل عن إجابات شافية.
عندما التقينا، رأيت في عينيها شيئًا غريبًا. لم يكن انتصارًا، ولم يكن كرهًا. كان مزيجًا من الندم والحيرة. قالت بصوتٍ متهدج: “لم أكن أعلم أنني أُدمرك. كنت أبحث عن حريتي، ولكنني أدركت متأخرًا أنني كنت أُقيدك وأقيد نفسي.”
كان الحديث طويلًا. لم ينتهِ بلحظة، لكنه كان بداية لتصفية الحسابات العالقة.
وهكذا، بدأت الحكاية تأخذ منحى جديدًا. لم يكن سهلاً أن أسامح، ولم يكن سهلاً أن أنسى. لكنني كنت أعلم أن الطريق إلى النور يبدأ بخطوة واحدة، خطوتها حين قررت أن أستعيد نفسي قبل أي شيء.
إلى اللقاء في الجزء العاشر.