بقلم د _ عيد علي
استيقظتُ فجر يومٍ من الأيام، وكما هو معتاد، ذهبتُ إلى مكتبي، تناولتُ قهوتي، وأخذتُ أرتشف منها. ومع أول رشفة، اتصلت بي صديقة تدعى “برلنتي”، تعمل في مصنعي الكائن بمدينة السادس من أكتوبر. طلبت مني توفير عملٍ لصديقةٍ لها، وأرسلت لي سيرتها الذاتية. وافقت مبدئيًا، وطلبت منها أن تصطحب صديقتها إلى مكتبي بعد يومين.
ثم تفقدتُ العمل بالمصنع كالمعتاد، وأمضيت يومي بين العمل وممارسة الرياضة في النادي والسمر مع أصدقائي. حتى جاء اليوم الذي حضرت فيه برلنتي برفقة صديقتها. كانت تمشي على استحياء، ومضى الوقت سريعًا. اجتازت المقابلة الشخصية، وتم إسناد عمل إداري لها لمدة ثلاثة أشهر تحت الاختبار.
ولكنها تركت في نفسي شعورًا غريبًا لم أفهمه حينها.
مرت الأيام والأسابيع، وقبل نهاية فترة الاختبار أبهرت الجميع بحسن إدراكها للأمور، صغيرها وكبيرها. أصبحت تستشار من جميع المهندسين والعمال بالمصنع خلال هذه الفترة الوجيزة.
ومرت الأشهر الثلاثة، وتم توقيع عقد عملٍ لها وإسناد إدارة التخطيط والمتابعة إليها. كان مكتبها في نهاية الطابق الثاني مباشرةً أمام مكتبي. كانت تعمل في صمت، تخطط وتوجه، وكنت أتابعها من بعيد كما هو معتاد مع كل المهندسين الجدد.
إلا أنني لم أرها يومًا إلا وانتابني نفس الشعور الغامض الذي لا أدري ما هو. كانت نشوة تغمر صدري كلما حدثتني أو رأيتها تصعد درجات السلم أو تُنَفِّذ أحد مشاريعها أو تخطط له.
نعم، حيرة تتبعها حيرة، يتبعها استفهام، يتبعها قلق. ما هذا الشعور؟ وما هذا الذي يلامس شغاف قلبي؟
لا أدري، هل جذبني جمالها؟ أم سحرتني رقتها؟ أم احتواني عقلها؟ أم ماذا؟
وكثرت التساؤلات، وازداد الانشغال، وبدأ الصراع. ولم كل هذا؟
بعد ستة أشهر، زاد الإنتاج بالمصنع، وكثرت عروض المشتريات من التجار، وزاد الربح والخير على يديها.
هل هي رزق ساقه الله إليّ؟
هل هي منحة وهبها الله لي؟
من أنتِ؟ ولماذا تأخرتِ؟
تركت حيرتي واستفساراتي، لعل الزمن يحمل إجابة لها. وسافرتُ إلى إحدى البلاد العربية طلبًا للاستجمام والراحة والبعد عن ضغوط العمل لمدة أسبوعين.
وأنا في مثل هذه الرحلات، اعتدت أن أعزل نفسي عن العالم أجمع. ولكن ما حدث في هذه الرحلة كان غريبًا عجيبًا. وجدتني أفتح هاتفي فجرًا وأتواصل معها. دار الحديث كله عن العمل. لم نتطرق إطلاقًا لأي شيء خارج نطاق العمل.
ويأتي المساء، وينبض خلف ضلوعي قلب حائر، ومشاعر مستعرة في وجداني. وتبدأ رحلة الاستفهامات: ما هذا؟ ولماذا؟ وكيف؟ وهل؟
قلت لنفسي إن غربتي هي دوائي، فكان عبثًا مني أن أطوف في البلاد.
الآن أدركت أنها ساحرة، وأي ساحرة؟
كلا، إنها الأميرة الساحرة، تربعت على عرش قلبي.
ولكن السؤال الآن:
أنا أيقنت يقينًا تامًا أنه الحب، ولكن أي حب هذا؟ وهل لمثلي أن يسحر بهذا الشكل؟
وماذا عنها؟
إنها لم تنظر نظرة واحدة في عيني، ولم تتلفظ بلفظٍ يوحي بشيء مما أشعر به.
عالمها غير عالمي، حياتها غير حياتي، وإحساسها غير إحساسي.
ما الذي أنا فيه؟ ومن أوجدني فيه؟ وكيف غُصت فيه؟
وماذا لو كانت لا تشعر بي؟
كيف العمل الآن؟ كيف أعرف منها شعورها؟
هل أستعين ببرلنتي، صديقتنا المشتركة؟
هل أغامر وأستوضح منها حقيقة مشاعرها؟
كلا… لو فعلت ذلك ربما أضعتها. ومثلها قلما نجد في حياتنا.
إلى اللقاء مع الجزء الثاني من “المتمردة”.