الدكتور أحمد الخميسي: اعتبارات ثلاثة هي ما شكلت اتجاهي الأدبي ورؤيتي.
-الفنان مثل الكرة كلما ضربوه إلى أسفل قفز إلى أعلى.
– سمية رمضان جديرة بأن يُجمع ما كتب عنها.
-فاجعة هزت وجداني وأنا طفل صغير.
حوار – رانيا ضيف
بين دفتي الصحافة والأدب وفي رحاب الكلمة الصادقة والفكر المستنير ساهم الدكتور أحمد الخميسي في تشكيل الوعي العربي بخبرته الممتدة وكتاباته التي تجمع بين الرصانة والرؤى الثاقبة وبين الإبداع والتجديد.
حمل الخميسي هموم الوطن على عاتقه واستطاع أن يكون نبض المجتمع والموكل بقضاياه عبر كتاباته الصحفية والأدبية،
في هذا الحوار نصحبكم إلى عوالمه الغنية ونتوقف عند محطات إبداعه ونتأمل رؤاه حول قضايا المجتمع والتحولات التي يشهدها الواقع الثقافي.
نرحب بالدكتور أحمد الخميسي ونهدف بهذا الحوار أن نتعمق أكثر في مسيرته الغنية..
١- كتبت أول قصة في سن الرابعة عشر، عملت بالصحافة خلال دراستك للثانوية العامة وسافرت روسيا لدراسة الأدب واللغة، ثم حصلت على الدكتوراة في اللغة والأدب الروسي من جامعة موسكو، عملت مراسلا صحفيا لعدة جهات ثم صحفيا وقمت بترجمة العديد من الكتب الروسية وقدمت دراسات متنوعة ومتعددة في الصحافة. كما كتبت في المسرح والقصة القصيرة وسيناريو لفيلمين هما “عائلات محترمة” و”زهرة البنفسج”، لتصبح كاتبا وصحفيا بارزا لعدة صحف عربية ومصرية. وحصلت على العديد من الجوائز المحلية والعربية. بعد هذا المشوار الحافل بالتحديات والعطاء والنجاح، ما المحطات أو القرارات التي تعتبرها الأكثر تأثيرا في تشكيل وعيك الإنساني وحددت ملامح خطك الأدبي؟!
–في واقع الأمر، لم يكن هناك ما يمكن أن نسميه قرارات أكثر تأثيرًا في تشكيل وعيي الإنساني وتحديد اتجاهاتي الأدبية، بل كانت هناك ظروف حياتية شكلت اتجاهي وكان لها التأثير الأكبر من أي قرار. فقد فتحت عيني وأنا طفل صغير على والدي خلف القضبان. كان معتقلًا في مطلع ثورة يوليو عام 1953، وكنت آنذاك طفلًا. هذه الحقيقة الفاجعة هزّت وجداني، وطرحت عليَّ مبكرًا أسئلة تتعلق بحرية الإنسان ودوره في مواجهة السلطات والمجتمع.
من ناحية أخرى، عشنا طفولة قاسية، يمكن القول بأنها كانت طفولة فقيرة بلا طفولة. أذكر أن من أحلامي البسيطة آنذاك أن أمتلك دراجة، لكن هذا لم يحدث قط.
إضافة إلى ذلك، غياب والدي خلف القضبان والظروف المادية القاسية تركا أثرًا عميقًا، ثم جاء الاعتبار الثالث، وهو القراءة، التي تمكنت منها بفضل وجود مكتبة لدى جدي لأمي، وأخرى تضم الروايات عند والدي بعد خروجه من المعتقل عام 1955 أو 1956.
هذه الاعتبارات الثلاثة هي ما شكلت ما يمكن وصفه باتجاهي أو رؤيتي: سؤال الحرية، سؤال الفقر، ثم الوعي الأدبي الذي راكمته من الكتب التي قرأتها.
٢- الدكتور أحمد الخميسي هو ابن الشاعر الكبير والفنان القدير عبد الرحمن الخميسي، الذي أثرى الحياة الثقافية والفنية بإبداعاته المتعددة كيف أثرت هذه النشأة الفنية والثقافية على مسيرتك الأدبية؟ وما الدور الذي لعبه والدك في تشكيل رؤيتك ككاتب وقاص؟
-لا شك أن من حسن طالع الأديب أن ينشأ في بيئة أدبية،أو أن يكون والده شاعرًا أو فنانًا ومن العجيب أنوالدي الشاعر “عبد الرحمن الخميسي” لم يؤثر فيَّ تأثيرًا مباشرًا من الناحية الأدبية. بمعنى أني كنت أقرأقصصه القصيرة وأقرأ قصائده لكن لم يترك فيّ بصمة خاصة، بينما الذي ترك فيّ بصمة خاصة هيشخصية والدي نفسه.
شخصية الفنان الحر الذي يعيش بمبلغ ضخم جدا في يوم، ويقضي بعد ذلك أسابيع دون مليم. الذييواجه كل شيء بالابتسامة والتفاؤل.
شخصية الفنان بصفته فنانًا هي التي تركت فيّ أكبر تأثير، وكان والدي على سبيل المثال، صحفيا في جريدة الجمهورية حتى عام ١٩٦٠ وفي ذلك، الوقت فُصل من جريدة الجمهورية مجموعة من كبار الكتاب؛ بيرم التونسي، محمود السعدني، ألفريد فرج، وكان على رأسهم طه حسين. وفصل والدي من الجريدة مع من فُصلوا، ولكنه لم يأبه، ولم يهتم، وقام بتشكيل فرقة مسرحية، أسماها فرقة عبد الرحمن الخميسي.وقامت بعرض مسرحية“عزبة بنايوتي” تأليف الأستاذ السعدني وبعد قليل، عندما تبين أن مسار الفرقةغير موفق، اتجه إلى السينما، وعمل ثلاثة أفلام ثم تفرغ للشعر مجددا.
كانت حياته وشخصيته مؤثرتين جدا، لا ينطبق عليه إلا قول صديقه المقرب، أستاذ محمود السعدنيالذي قال:”إن الخميسي مثل الكرة كلما ضربوها لأسفل قفزت لأعلى“.
لذلك شخصيته هي التي تركت فيّ أكبر الأثر، فتعلمت “كيف يمكن للإنسان أن يكون فنانا، وكيف يمكن للفنان أن يعيش”.
٣- كيف تلقيت خبر اختيار مجموعتك القصصية “حفيف صندل” لتكون ضمن القائمة الطويلة ثم القصيرة لدورة جائزة الملتقى السابعة للقصة القصيرة 2024/2025 والتي تعد خطوة تمثل إنجازًا أدبيًا جديدًا حيث كنت المصري الوحيد؟
–بالطبع، تلقيت هذا الخبر بسرور لأنه يشكل نوعًا من التقدير الأدبي أولًا، خاصة في ظل غياب حركة نقدية عميقة.نحن للأسف، نعاني من علاقات نقدية طغت على حركة نقدية تقوم بفرز ما يصدر، ووضع كل كتاب في مكانه.
ومن زاوية أنه لا توجد متابعة نقدية، تأتي الجائزة أو دخول اسمي إلى القائمة القصيرة كنوع من التكريم الأدبي الذي يسرني، خصوصًا عندما وجدت أنني المصري الوحيد. وبذلك اعتبرت أن هذا التكريم هو تكريم لإنجازات الأدب المصري في عالم القصة القصيرة، التي لا تلقى ما تستحقه من اهتمام.
٤- تعرضت للاعتقال سنة 1968 بسبب مواقفك المؤيدة للحق والعدل في أثناء مظاهرة طلابية، كما خاطرت بحياتك خلال عملك الصحفي بالتواجد في مواقع القتال في الشيشان. من واقع تجربتك الشخصية، هل تعتقد أن الدفاع عن القناعات يستحق دومًا أن يدفع الإنسان ضريبة من حريته أو حياته؟ أم أن الزمن والنضج يمنحان منظورًا آخر للدفاع عن القضايا؟
-في واقع الأمر، لا بد للإنسان، وخاصة الكاتب، أن يدافع عن قناعاته، سواء كان ذلك بدفع ضريبة مباشرة من حريته أو بطريقة أخرى. مثلما فعل نجيب محفوظ، الذي تجنب الخوض في أي صراع اجتماعي أو فكري وتفرغ للأدب، ومن داخل الأدب دافع عن قناعاته. لكن لا بد للكاتب أن يدافع عن قناعاته بالطريقة التي يراها مناسبة، لأن الكاتب في النهاية هو معتقداته وقناعاته ومواقفه.
البعض يختار الطريق المباشر مثلما فعل يوسف إدريس عندما شارك في الحركة الوطنية وتم اعتقاله في مطلع الثورة، أو عندما شارك فؤاد حداد بأشعاره وقصائده وتعرض للاعتقال لأنه دافع عن قناعاته. وهناك طريق آخر، وأكبر رمز له هو نجيب محفوظ. في الحالتين، لا بد للكاتب أن يدافع عن قناعاته، فهو لا شيء بدون قناعاته ومواقفه. وكثيرًا ما تجبر الظروف الأدباء على التنكر والمُكر، وقد حدث ذلك خاصة أيام الاتحاد السوفيتي، عندما كانت الكتابة مراقبة بشدة، فكان الأدباء يلجؤون إلى الكثير من الحيل الأدبية الماكرة لكي يعرضوا موقفهم من دون أن يتعرضوا لعقوبات مباشرة.
٥- حصلت على درجة الدكتوراة في الأدب الروسي، كيف تكون العلاقة الملتبسة بين الكاتب الأديب والصحفي وهل أثرت العملية الإبداعية أم خلقت صراعا في بعض الأوقات؟
-العلاقة بين الكاتب الأديب والصحفي
هي علاقة معقدة، ولكنها تتوقف على مصير هذه العلاقة وثمارها، وإلى أي مدى يستطيع الأديب أن يوائم بين عمله الصحفي وعمله الأدبي. هناك أدباء كبار عملوا في الصحافة زمنا طويلا، منهم: جابرييل ماركيز، إرنست همنجواي وفي مصر العديد من الأدباء مثل: عبد القادر المازني وطه حسين الذي كان في فترة من الفترات رئيس تحرير جريدة الجمهورية. القصة هنا مرتبطة بكيف يدير الكاتب هذه العلاقة، في بعض الأحيان يستطيع الكاتب الأديب أن يستفيد بشدة من كونه صحفيًا، وهذا ما فعله همنجواي الذي تعلم الاختصار الشديد نتيجة عمله كمراسل للصحف، وكان عليه أن يبعث بتقارير موجزة جدا، فتعلم من الصحافة أن يكون موجزا في الأدب.
عبد القادر المازني الأديب المصري المعروف أنشأ ما يعرف بالمقال القصصي، وهذا كان من الخبرات التي فتحتها له الصحافة أو العمل الصحفي. وعلى الجانب الآخر، هناك أدباء موهوبون قضت عليهم الصحافة، لأنهم وجدوا فيها متنفسا ولم يعودوا بحاجة إلى الأدب.
بالنسبة لي، ربطتني الصحافة بفكرة الكتابة المنتظمة، لأن هناك جريدة تنتظر مقالي كل أسبوع، وعلىَّ أن أكتب بانتظام، وهذه هي هدية الصحافة لي. وأذكر في هذا المقام الأديب الروسي الكبير توليستوي حين قال:” أنا لا يهمني المستوى، يهمني الانتظام” وهذا الانتظام الذي تمنحه الصحافة للأديب هو كل سر نجيب محفوظ، أنه كان منتظما في الكتابة اليومية.
٦- كثير من الأدباء خرجوا من معطف الأدب الروسي كما خرج كُتّاب القصة من معطف جوجول. في رأيك لماذا تراجع الأدب الروسي اليوم عن مكانته التي أرساها عمالقته مثل دوستويفسكي وتولستوي وتشيخوف؟
-من الصعب تفسير لماذا تراجع الأدب الروسي اليوم، لكن علينا أن نلاحظ أن التراجع الأدبي أو غياب أو أفول عصر العمالقة هي سمة عامة في الأدب العالمي. نحن منذ زمن طويل أيضًا لم نعد نرى في الأدب الأمريكي جون شتاينبك ولم نعد نرى فوكنر، ولم نعد نرى في الأدب الفرنسي ألبير كامو ولا سارتر، ولا نرى في ألمانيا جوتة. ومن الصعب تفسير هذا، ولكن أعتقد أن الأدب الروسي عامر بالمواهب، ربما يحتاج الأمر إلى أن نكتشفها، أن نتعرف عليها، وربما يحتاج الأمر إلى زمن كي تسفر هذه الوجوه عن إبداعها.
٧- هل يرى الدكتور أحمد الخميسي أن الأدب والفن لهما دور إصلاحي في مواجهة تجريف القيم والأخلاق، أم أن دوره يقتصر على كونه وسيلة للتعبير عن الذات والاستمتاع؟
-بالطبع الأدب والفن لهما دور كبير في تهذيب الروح الإنسانية وفي الارتقاء بالعقل والشعور وفي غرس القيم الإنسانية مثل الاعتزاز بالحرية والكرامة والتعاطف مع الآخرين إلى آخره، بالطبع للأدب والفن دورهما، ولا يمكن أن يقتصر دور الفن على الاستمتاع أو التعبير عن الذات، هذا لم يحدث في تاريخ الأدب، لأنه لا يوجد في الطبيعة ولا الفن شيء لا دور له.
أذكر مثالا غريبا: أن الصين قامت في فترة بحملة لقتل البعوض وحشدت لها الفلاحين في كل القرى وقضت على البعوض ثم اكتشفوا بعد ذلك موت بعض النباتات نتيجة لاختفاء البعوض! أي حتى لهذا البعوض دور.
كذلك لكل شيء في الأدب دوره حتى لو كان هذا الدور هو الخروج من التاريخ أو الخروج من تحمل أعباء الدور، لكن بالطبع للأدب دوره وللفن دوره ولكن تأثير هذا الدور يتم ببطء، لأن الأدب والفن ليسا خطابات سياسية، إنما خطابات تعمل على الشعور وعلى اللاوعي، من ثم فإن ثمارها تظهر ببطء.
٨-حصل الخميسي على العديد من الجوائز الأدبية والصحفية، من بينها جائزة ساويرس وجائزة نبيل طعمة، ماذا تعني لك هذه الجوائز؟ وهل ترى أن الجوائز تمثل تقييمًا حقيقيًا للعمل الأدبي في الوقت الحالي؟
-لا شك أن للجوائز الأدبية دورًا مهمًا، لأسباب عدة. السبب الأول يتصل بتكريم الأدب نفسه؛ وجود جوائز للأدب، يعني أننا نحترم الأدب ونقدره، وأننا نخصص له الأموال والاحتفالات. الجوائز الأدبية مهمة من هذه الزاوية، ومهمة أيضًا لأنها حافز معنوي للأدباء، وحافز مادي لظروف أصبح مردود الأدب فيها ضئيلًا. في هذا الصدد، أذكر نجيب محفوظ الذي فسر لماذا اتجه إلى كتابة سيناريوهات الأفلام، قائلاً إن ظروفه المادية أجبرته على هذا. عباس العقاد، عندما توفي، لم يجدوا في بيته إلا 25 قرشًا تحت الوسادة التي كان ينام عليها. مردود الأدب قليل، ومن هذه الزاوية للجوائز قيمتها المهمة.
هل هي تمثل تقييمًا حقيقيًا للأديب أم لا تمثل؟ هذا سؤال آخر يختلف من جائزة إلى أخرى، ومن مكان إلى آخر. لكن في الأغلب الأعم، هي تمثل شيئًا، ولكن ليس دائمًا. وقد رأينا كيف مُنحت جائزة نوبل في الأدب لأدباء بلا قيمة تمامًا. أحيانًا تمثل تقييمًا، وأحيانًا لا تمثل تقييمًا حقيقيًا.
٩-تطور الأدب عبر الزمن وانتقل من كونه أداة لنقل القيم والمعرفة، إلى كونه أداة للتعبير عن الذات واكتشافها، ثم إلى تفاعل مع العالم الحديث في العصر الرقمي حيث ظهر الأدب التفاعلي الذي يتيح للجمهور المشاركة المباشرة في العملية الإبداعية. كيف ترى هذا التطور وما تأثيره على الأدب مستقبلا؟
-في حقيقة الأمر، لا أدري كيف يمكن أن ننظر إلى ما يُسمى بالأدب التفاعلي! الأدب هو حصيلة نظرة الأديب إلى العالم، أما ما يُسمى بالأدب التفاعلي، فلا توجد فيه نظرة واحدة، بل عشرات ومئات من النظرات المختلفة من حيث الانتماءات والمعتقدات والميول تجاه العالم. لا أدري ما الذي يمكن أن ينجم عن هذا، ولكنني أعتقد أنها تجربة في حدود محاولة الاستفادة من التطور الأخير في وسائل الاتصال.
أما عن تأثير الوسائل الحديثة في طبيعة الأدب، فلا شك أنها ستؤثر، لأنها ستجعله أكثر إيجازًا، بحكم أن العالم وإيقاعه ووسائل الاتصال تجبر الناس على الاختصار، وأعتقد أن من هذه الزاوية سيكون لذلك تأثيره في الأدب.
١٠-مع ظهور القصة القصيرة جدًا والومضة كأشكال سردية حديثة، كيف ترى تأثيرها على جوهر القصة القصيرة التقليدية؟ وهل ترى أنها تمتلك قيمة أدبية مكافئة، أم أن اعتمادها على التكثيف والرمزية قد يجعلها أكثر غموضًا وأقل تأثيرًا في المتلقي؟
-هناك التباس فيما يخص موضوع القصة القصيرة جدا أو الومضة، هذا النوع من الكتابة ليس جديدا. كتب كافكا قصص قصيرة جدا من عدة سطور وكذلك تشيخوف وتولستوي وهيمنجواي فهذا الشكل ليس جديدا على الأدب من ناحية، من ناحية أخرى، هذا الشكل لم يُقدر له النجاح أو الانتشار أو الاستقرار بصفته قصة قصيرة معترف بها، فهو أقرب إلى الحكم السريعة والمقولات البلاغية منه إلى الأدب الذي يستلزم بالحتم وجود شخصية إنسانية، وجود مشكلة، أو حدث، ووجود رؤية الكاتب. هذاالشكل بحدوده الراهنة لا يطرح ولا ينطوي على أي مقومات للقصة القصيرة بالمعنى المعروف للقصة.
١١- في الحقب الماضية كان للأدب دور مؤثر في تغيير الواقع فمثلا فيلم “أريد حلا” أدي لتغيير قوانين الأحوال الشخصية، لماذا لم يعد الأدب قوة مؤثرة في المجتمعات الآن؟!
-فيلم أريد حلا كان له دور في تغيير بعض قوانين الأحوال الشخصية نعم، وكذلك بعض الكتب التي ساهمت في تغيير الكثير، مثل كتاب “الثقافة المصرية” للدكتور طه حسين، إلى جانب عدد قليل من الكتب والأفلام الأخرى. لكن في الواقع، من النادر أن يؤدي فيلم أو كتاب أو رواية إلى تغيير ملموس ومباشر في الواقع الاجتماعي. ولذلك الإجابة هي أن الأدب لم يكن له في الأساس قوة مؤثرة، بمعنى تغيير الواقع بشكل سريع وفوري. بل كانت هناك حالات استثنائية فقط. أما الأدب، فهو يعتمد على التغيير البطيء والمستمر عبر الزمن.
١٢- كتبت مقالا لافتا بعنوان “لماذا نكتب إذن؟” ذلك السؤال الذي حير كل الكتاب والأدباء ليصل البعض إلى أن الكتابة كالحب لا يعرف لها سبب، فماذا تعني الكتابة للخميسي؟ وهل هناك طقوس خاصة تمارسها قبل الكتابة؟
-يسألون لماذا نكتب؟! لماذا لا يسألون أيضًا لماذا يغرد العصفور؟ لماذا تسبح الأسماك؟ الكتابة في اعتقادي طبيعة شخصية، مثل التغريد عند العصافير والزئير عند الأسود. الكتابة طبيعة شخصية يعني وجود رغبة شديدة في التعبير. الكتابة بالنسبة لي تشبه التنفس؛ هذه طبيعتي الشخصية. غير ذلك يكون احترافًا أو حرفة. وليس لدي طقوس خاصة للكتابة، فأنا أكتب في أي وقت، سواء في الصباح أو أحيانًا في الليل، والطقس الوحيد عندي هو شرب عدد غير قليل من أقداح الشاي الثقيلة والقهوة فقط.
١٣- كتابك الجديد حياة وإبداع سمية رمضان يعد إضافة مميزة إلى معرض الكتاب هذا العام. حدثني عن هذا العمل الهام ؟ وما الذي حرصت على تسليط الضوء عليه في مسيرة سمية رمضان الإبداعية والإنسانية؟
-الكتاب جمع معظم ما كُتب من مقالات ودراسات عن الراحلة العزيزة الدكتورة سمية رمضان، ويجمع أيضًا ما أدلت به هي من تصريحات الصحف والحوارات التي أُجريت معها حول فهمها للكتابة وتصورها لدور الفن ودور المرأة الكاتبة.
كنت حريصًا على إصدار هذا العمل أولاً اعتزازًا بذكرى كاتبة كانت صديقة عزيزة، واعتزازًا بذكرى مبدعة؛ لأن الدكتورة سمية تركت مجموعتين قصصيتين: “خشب ونحاس” ثم مجموعة “منازل القمر”، وأخيرًا رواية “أوراق النرجس”، وهي رواية مهمة تتقاطع إلى حد كبير مع الموضوع الذي كتبه أدباؤنا الكبار من قبل، وهو موضوع علاقة الإنسان بين الشرق والغرب، كما حدث في “قنديل أم هاشم” ليحيى حقي و”عصفور من الشرق” لتوفيق الحكيم.
سمية رمضان واصلت هذا الموضوع في “أوراق النرجس” وطرحته مجددًا، لكن من وجهة نظر امرأة.
أيضًا، كنت حريصًا على إصدار هذا الكتاب لأني أعلم أن النقد عندنا لا يولي اهتمامًا كبيرًا بنفس الدرجة لكل الأدباء، وأعتقد أنها جديرة بهذا الاحتفاء، وجديرة بأن يُجمع ما كُتب عنها في كتاب.