القاهرية
العالم بين يديك

عاصفة في كتاب عامي الجديد

10

سالي جابر

البداية لم تكن كما كنتُ أريد؛ بل كانت عاصفةً ترابيةً منعت من حولها الرؤية، وأضافت بقعةً صفراء راكدةً في الدنيا، وهزةً أرضيةً شديدةً أطاحت بقلبي أرضًا… أعلم أن ليس كل ما يريده المرء يدركه، وأن الأمور بيد الله – تعالى – والحياة وقتٌ قصير نعيشه بين حكمةٍ لا نعلمها، وقدرٍ نؤجر عند الصبر عليه.

ولهذا عليكِ، عزيزتي، الصمود أمام العواصف والأعاصير، فهي كوارث طبيعية لا بد من حدوثها، كما الحوادث القلبية التي تحدث لنا؛ كلها فترات وعلينا الصبر.

فكانت بداية هذا العام أشبه بكتابٍ فقد غلافه قبل أن يُقرأ. كل صفحةٍ فيه تحمل ثقلًا لم أختره، وكأن الحياة أرادت أن تلعب معي وتكتشف قدرتي على التحمُّل. فكنتُ أنا دائمًا أبدو كشجرةٍ، ثابتةٍ جذورها تُروى بماء الحب وشمس الأمل، تتغذى على الرضا. وفجأةً، صارت تهتز بهدوء طفلٍ يزحف لأول مرة يخشى كل شيء، وصرت كرجلٍ عجوزٍ كفيف شاء القدر أن يفتح عينيه بعد أعوامٍ من التعود على رؤية الأشياء بقلبه، وقبل أن يسعد بذلك اخترقت شمسُ الظهيرة عينيه، فأغمض مقلتيه سريعًا.

في كل عامٍ جديد، كنتُ أحدد برؤيةٍ جلية أحداثي الجميلة في عامي الماضي وأشدو بها، وأنقّي عامي من أخطاء مضت. ولكن عامي هذا تساقطت فيه أمنيتي كبقايا شمعةٍ أحرقها قبل منتصف الليل. هاتفٌ ثم آخر، كانت نغماته وميضَ خوفٍ وكتلةً من ترقُّب الأسى، حتى ظننتُ أنه لا يأتي بخير؛ فاستعاذ قلبي من شيطان الفأل السيئ، ونفضتُ غباره عني ووقفتُ من جديد، لكن الخيبات تتوالى كأمطارِ ليالي الشتاء الباردة، التي نختبئ بها تحت ظلٍ لا نعلم إن كان متينًا أم سيخرُّ وينهار فوق رؤوسنا!

ولكن… تذكري، عزيزتي، أن دائمًا بعد طول الليل وسكون ظلامه سيحل الفجر بضوءٍ جديد، وتشرق شمسُ أملٍ جديدة،

وأن الأمطار التي تغرق أرضنا قد نحتاجها يومًا ونصلي من أجلها. وكل تناقضٍ نمر به يحمل في طياته مشاعرَ لا بأس بها… المرض الذي ينخر في أجسامنا هو الفكر، الذي إن تركناه كما أراد خالقه ربما أنبت نباتًا يافعًا، وأبلى علينا بلاءً حسنًا.

ستتذكرين هذا مستقبلًا، وتضعين يمناكِ على صدرك وتقولين: “لقد كان… ثم مرَّ دون أن يأخذني معه في دوامةٍ لا أجد منها ثغرةَ خروج. لقد خرجتُ إلى ضوءٍ جديد لم تعمِ عيني شدته لكنني رأيتُ…”.

وفي النهاية… حتى وإن كانت البدايات رمادية، فإنني أعلم يقينًا أن البدايات ستعود، وأن كل ورقةٍ أثقلتني في هذا الكتاب ستتحول إلى درسٍ أتزين به، وسيبقى في داخلي شتاءٌ، لكنه شتاءٌ يُزهر… مدي يديكِ، عزيزتي، واحتضني نفسكِ، واربتي على قلبكِ، سيعود ربيعه بعد الشتاء، ويزين بالورود المزهرة، وستحملين باقةَ وردٍ مثلكِ.

قد يعجبك ايضا
تعليقات