كتبت _ عائشة عبد السلام
حكى أحد مدرسي اللغة العربية عن حلمه بالزواج، فقال أصدقاؤه مازحين:
“ما هي مواصفات الزوجة التي تتمناها؟”
فأجاب بكل فصاحة:
“أريدها مرفوعة الهامة، منصوبة القامة، مجرورة الثوب، مجردة من كل عيب. تكون مربوطة الشفتين، مبسوطة الكفين، مؤنثة تتقن أسلوب الإغراء، وتنفذ فعل الأمر بلا تردد أو استثناء. تجيب النداء، وتفهم الإشارة دون حاجة لعبارة، ولا تعرف الجملة الاعتراضية ولا أفعال الظن. قاموسها يخلو من (لا ولم ولن)، وضميرها متصل بضميري، منفصل عن غيري. إن طلبت، فطلبها غير جازم، ومن كل علة سالمة. إذا رأيتها سبحلت، وإن غابت عني حوقلت. تعاملني بالكناية والتصريح، وفعلها دائمًا تام صحيح، ولا تنازعني في عمل الفاعل مهما كان. كلمتي عندها حجة لا تقبل النقاش، ومالي عندها ممنوع من الصرف.”
اليوم، بلغ المدرس سن السبعين، وما زال ينتظر الزوجة التي تلبي هذه المواصفات الخيالية!
ورغم أن الزمن قد مرّ، وأصدقاؤه تفرقوا بين مشاغل الحياة، إلا أن المدرس بقي على موقفه. كان يتأمل في كل امرأة يلتقيها، يبحث عن تلك “المثالية النحوية” التي رسمها في مخيلته.
تمر السنون، ويجد نفسه أمام المرآة، يتأمل شعره الذي اشتعل شيبًا، ووجهه الذي خطت فيه الأيام آثارها. لكنه ما زال مصممًا على رأيه.
قال لنفسه ذات يوم:
“ربما أخطأت في صياغة الشرط، أو بالغت في تحديد الصفات، لكن هل أتنازل الآن؟ لا، لا يجوز حذف جزء من الجملة المثالية. سأظل أنتظر!”
وهكذا، ظل المسكين يتنقل بين أحلامه الأدبية وحياته الواقعية، إلى أن صار حديث أهل البلدة: “المدرس الذي أضاع عمره يبحث عن جملة لا تنقصها علامة إعرابية واحدة!”
وفي النهاية، أدرك الجميع أن ما يبحث عنه المدرس لم يكن زوجة حقيقية، بل كان يبحث عن مثال للكمال، وهو شيء نادر حتى في قواعد اللغة ذاتها.