د. فرج العادلي
لا تجد أزهريا يتطوع بالحكم على الناس، خاصة على ما في قلوبهم، ولكن تجد كثيرا من الدعاة من المناهج الأخرى يتطوعون بوصف عقيدته بكذا وكذا، ويذكرون معايب فيه وفي شيوخه وأئمته، بل في مرة وصف أحد المشايخ البارزين العلامةَ الكبير المفسر شيخَ الأزهر السابق ا. د محمد سيد طنطاوي رحمه الله بأنه لا يعرف كوعه من بوعه، تخيل! وهذا الإمام تعلم لدى كبار علماء الأمة الإسلامية، وترعر في عصر صقور الأزهر وعظمائه وكلهم كذلك، فهل هذا الوصف كان منصفا، وكان حقيقيا ؟!
وساعتها كاد أن يصفق للشيخ الحاضرون وما أكثرهم، لأنهم لا يشكون في كلام الشيخ الكبير الذي يحدثهم بهذا الحديث المباين للحق والحقيقة والمنطق.
والحقيقة: إن الأزاهرة خاصة القدامى منهم يقبلون الكتب الستة في الحديث كاملة، ولا يبحثون عن درجته طالما رواه وأقره أحدهم، لأن راويه من أئمة الدنيا في عصره، وفي مناهجهم أن ما خف ضبط بعض رواته يعمل به في فضائل الأعمال دون حاجة لبيان الدرجة طالما أنه ذُكر في هذا الباب، وإذا كان الأمر يتعلق بالعقائد والأحكام فيأخذون الصحاح، والصحيح لا يحتاج لبيان درجة، تأمل هذا المنهج المتقن، الرصين، الحكيم،الدقيق بعيد الأغوار، وقد لا يفهم البعض هذا المنهج فيأخذ عليهم رواية الحديث الضعيف في فضائل الأعمال، ويقول روى حديثا ضعيفا ولم يبين ضعفه، ويصفه بل ويتهمه بالجهل في الحديث بوجهٍ عام!!
والحقيقة أن منهج الأزاهرة الكبار أعمق وأنقى وأخصر مما يفهمه البعض، إذ إنه يقسم الأقسام ويورد كل قسم في بابه دون التعرض مرارا وتكرارا لدرجة الحديث لأن مقام الدعوة لا يتحمل هذا الأسلوب العلمي بل مكانه قاعة البحث والدرس، أما إذا كان ضعيفا جدا أو موضوعا فلا يذكرونه أصلا إلا ما جاء عن طريق الخطأ أو يبينون درجته، ولا عصمة لأحد في هذا فقد ينبو السيف، لكن المستقر هو ما تقدم.
الشاهد أن علماء الأزهر يركزون في تدريسهم، ودعوتهم، وأبحاثهم، وفتواهم للناس، والسعي بينهم بالخير وفض النزاعات وإصلاح الأحوال، وبعض الناس يركزون في الأزهر نفسه ومشايخه نقدا وشتما وسبا وسخرية، فإذا رد أحدهم وغالبا ما يكون الرد قاسيا قامت الدنيا ولم تقعد، وقيامها وقعودها لا يؤثر شيئا في الأزهر، بل يؤثر في من يقيمون القيامة بأمور كثيرة ستظهر فيما بعد إن شاء الله.
والدليل على ذلك أن معركة بدأت في بلاد الشام بسبب شيخ كبير كان يقول للناس أصلي بكم صلاة رسول الله- صلى الله عليه وسلم أم صلاة أبي حنيفة!؟، فأثار هذا حفيظة أتباع المذهب إذ كيف تنسب لإمام كبير بل تابعي جليل أنه يصلي صلاة مخالفة لصلاة رسول الله- صلى الله عليه وسلم- فقامت المعارك من وقتها، وصار أتباعه يقولون فيما بعد أنتم تطعنون في الشيخ وتهدمونه، وهناك حملة ممنهجة عليه !!
والحقيقة أن الشيخ رحمه الله هو من بدأها، وهكذا في بلادنا.
لست في معرض الدفاع ولا الهجوم، لكن أردت أن أقول لينشغل كل إنسان بنفسه، ومنهجه، وطلابه، ومصنفاته، ولا ينشغل بغيره، فإنه محاسب عن نفسه.
والله تعالى أساله أن يصلح ذات بين المسلمين أجمعين.
