القاهرية
العالم بين يديك

عقوق الوالدين

8

د. حمدان محمد

مشكلة خطيرة إنتشرت وفشت وأصبحنا نلاحظها كل صباح ومساء تتفطر منها القلوب وتبكى منها العيون دما بدل الدمع وتقطع نياط القلوب ألا وهي مشكلة العقوق فلقد كثر عقوق الوالدين في زمننا وإنتشر بشكل مفزع يخاف منه كل ذو قلب وعقل سليم

وأسباب ذلك كثيرة منها:

1ــ سوء التربية: فإن الوالد مسئول عن تربية إبنه على الكتاب والسنة والوالد الذي لا يربي إبنه على القرآن والسنه وعلى حب الرسول عليه الصلاة والسلام وعلى الإتيان به إلى المسجد والمداومة على الصلوات الخمس وعلى تقوى الله والصدق والوفاء يستحق العقوق من ولده لأنه هو الذى قدم ذلك له فقد قدم له سوء التربية وعدم مراقبة الله فبذلك لايلومن إلا نفسه

2ــ الجهل: فعلى الوالد أن يعلِّم إبنه ولا يتركه جاهلاً لا بد أن يعلِّمه العلم الشرعي وهو كتاب الله وسنة الرسول عليه الصلاة والسلام لقد ذكر أحد العلماء جاءه رجل، فقال له: إبني ضربني قال: تعال بابنك فأتى به فإذا هذا الإبن كبير سمين بدين كأكبر ما يكون من الرجال فقال له: أضربتَ أباك؟ قال: نعم.ضربتُه قال: لِمَ ضربتَه؟ قال: وهل يحرم أن يضرب الإبن أباه؟ أي: هل في الشريعة أنه لا يجوز ضرب الابن لأبيه؟ قال العالم للأب: أعلَّمتَ ابنك شيئاً من القرآن؟ قال: لا والله. قال: أعلمتَه شيئاً من السنة؟ قال: لا والله. قال: أعلمتَه شيئاً من آداب السلف ؟ قال: لا. قال: فماذا صنعت معه في حياته؟ قال: أطعمتُه وسقيتهُ وآويتُه حتى كَبُر قال: تستحق أن يضربك لأنه ظن أنك ثور فضربك نعم هو رباه ولكن على أخلاقيات لاتعلم الحلال والحرام ولاتعلم ما الذي يجوز ولا يجوز فكان الچزاء من چنس العمل

3ــ دور الإعلام في فساد الأخلاق. وما يقدمه من عرى وسفاهة وتقدم للناس علي أنها منهاج حياة ولكن للأسف أصبحت في غاية التفاهات وقلة التربية فأصبح ما يسمى بالترند هو السائد بين طبقات الناس فأصبح من لاقيمة له يكون في أوائل الصفوف ومن تعبوا وإچتهدوا للأسف في أواخر الصفوف فأصبح هؤلاء الذين يچهلون أمور دينهم لا يعرفون شئ إلا ما يرضي هواهم فحسب ولايوجد رادع يردعهم إلا من رحم الله

4ــ عدم إختيار الأم الصالحة عند الزواج فالأصل هو أن يختار الرجل زوجة صالحة لتربية أولاد صالحين فالأم هي مدرسة كاملة ومچتمع بأسره إن صلحت الأم أخرچت لنا أبناء صالحين وأزواج صالحين وأناس صالحين لذلك أمر النبي صلى الله عليه وسلم في إختيار الزوجة فقال …فأظفر بذات الدين تربت يداك..

وقال أيضاً عن الرچل..إن چاءكم من ترضون دينه وخلقه فزوچوه .فچعل النبي صلى الله عليه وسلم أمر الدين هو الأمر الذي يچب على الإنسان أن يتبعه ليچد الراحة في الدنيا والآخرة

فالعقوق هو أمر مشؤم

أما العقوق -أعاذنا الله وإياكم- فإنه القطع يقال: عق الشجرة أي: قطعها وعق الحبل أي: قطعه فالعقوق هو القطع :وهو كل فعلٍ يتأذى به الوالدين (الأب والأم )تأذياً ليس بالهين قال سبحانه: { وَيَقْطَعُونَ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ } [البقرة:27] وقال: { فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ تَوَلَّيْتُمْ أَنْ تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحَامَكُمْ * أُولَئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فَأَصَمَّهُمْ وَأَعْمَى أَبْصَارَهُمْ } [محمد:22-23] فهل تقدر أيها العاق على هذا الوعيد من قبل الله سبحانه وتعالى

وقد ورد تحريم العقوق والأمر بالصلة في آيات كثيرة كقول المولى چلت قدرته: { وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلاهُمَا فَلا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ وَلا تَنْهَرْهُمَا وَقُلْ لَهُمَا قَوْلاً كَرِيماً } [الإسراء:23]

وأمر سبحانه وتعالى بالإحسان

قال تعالى: { وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً } [البقرة:83] وقوله تعالى: { حَتَّى إِذَا بَلَغَ أَشُدَّهُ وَبَلَغَ أَرْبَعِينَ سَنَةً قَالَ رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ

الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلَى وَالِدَيَّ وَأَنْ أَعْمَلَ صَالِحاً تَرْضَاهُ } [الأحقاف:15]

وحرَّم عليه الصلاة والسلام العقوق في أحاديث كثيرة وقد نبه صلى الله عليه وسلم على عظم حق الأب كثيراً حتى قال كما في الصحيح:{ لا يدخل الجنة قاطع }

والمعنى: قاطع الرحم وأولى من يوصل الأب والأم فهما الوالدان، وهما باب الجنة وكما يروى: (الجنة تحت أقدام الأمهات)

والعقوق من أكبر الكبائر: ففي الصحيحين من حديث أبي بكرة أن النبي صلى الله عليه

وسلم قال: ( ألا أُنَبِّئُكم بأكبر الكبائر؟ قلنا: بلى يا رسول الله! قال: الإشراك بالله وعقوق الوالدين وكان المصطفى متكئاً فجلس ثم قال: ألا وقول الزور ألا وشهادة الزور ألا وقول الزور ألا وشهادة الزور فمازال النبي يكررها حتى قلنا: ليته سكت )

أيها الأبناء العقوق سبب للحرمان من الجنة وسبب للطرد من رحمة الله الذي وسعت رحمته كل شيء ففي الحديث الذي رواه النسائي و البزار بسند جيد وحسنه الألباني ورواه الحاكم في المستدرك وصححه على شرط الشيخين البخاري و مسلم من حديث إبن عمر رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:( ثلاثة لا ينظر الله إليهم يوم القيامة قيل: من هم يا رسول الله؟! قال: العاق لوالديه والمرأة المترجلة والديوث ) والمرأة المترجلة أي: المرأة المتشبهة بالرجال وكم من إمرأة تنتسب إلى الإسلام تتشبه في زيها وفي مشيتها وفي كلامها وفي طريقة معاملتها بالرجال! بل وهي تشعر بلذة حين تتشبه بالرجال والديوث هو: الذي يقر الزنا والفسق في أهله والعياذ بالله! فلك أن تتخيل أيها العاق حچم مصيبتك في الآخرة بأن الله لاينظر إليك

وقال صلى الله عليه وسلم: ( ثلاثة لا يدخلون الجنة: العاق لوالديه ومدمن الخمر والمنان )

أيها المسلمون: إن عقوق الوالدين لا ينفع معه أي عمل فإن صليت أو چاهدت في سبيل الله وهو أمر عظيم عند الله وأنت عاق لوالديك فلن ينفع مع العقوق عمل ففي الحديث الذي رواه الإمام الطبراني و ابن أبي عاصم في كتاب السنة وحَسَّنَ الحديث الشيخ الألباني في السلسلة الصحيحة من حديث أبي أمامة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( ثلاثة لا يقبل الله منهم صرفاً ولا عدلاً أي لا فرضاً ولا نفلاً ولا عملاً-: العاق لوالديه والمنان والمكذب بالقدر )

إن العقوق دين لابد من قضائه في الدنيا قبل الآخرة فكما تدين تدان فإن بذلت البر لوالديك سَخَّرَ الله أبناءك لبرك وإن عققت والديك سَلَّط الله أبناءك لعقوقك وستجني ثمرة العقوق في الدنيا قبل الآخرة ففي الحديث الذي رواه الطبراني و البخاري في التاريخ وصححه الألباني من حديث أبي بكرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( إثنان يعجلهما الله في الدنيا: البغي وعقوق الوالدين ).أي: الظلم، فمهما كنت قادراً قوياً وإستخدمت وجاهتك أو منصبك أو مالك في ظلم العباد فأعلم بأن الله سيسلط عليك من يظلمك ولن يترك الله چل وعلا الظالمين هكذا ولكن مهما ظن الظالم بأنه نچا سيچد نفسه في لحظة بين يدي الله ملك الملوك وچبار السماوات والأرض

لا تظلمن إذا ما كنت مقتدراً

فالظلم ترجع عقباه إلى الندم

تنام عيناك والمظلوم منتبه

يدعو عليك وعين الله لم تنم

فعقوق الوالدين يعجل الله لك بسببه عقوق أبنائك في الدنيا

فَيَاأَيُّهَا الْمُضَيِّعُ الْحُقُوقِ المستبدل الْبِرِّ بِالْعُقُوقِ

الناسي لما يجب عليه الغافل عما بين يديه إن بر الوالدين عليك دين و أنت تتعاطاه بإتباع الشين تطلب الجنة بزعمك وَهِي َعند أَقْدَامِ أُمِّك فلقد حَمَلَتْك فِي بَطْنِهَا وَأَرْضَعَتْك مِنْ ثَدْيِهَا وَغَسَلَتْ بِيَمِينِهَا عَنْك الْأَذَى وَآثَرَتْك عَلَى نَفْسِهَا بِالْغِذَاءِ وَصَيَّرَتْ حِجْرَهَا لَك مَهْدًا وَأَنَالَتْك إحْسَانًا وَرَفْدًا فَإِنْ أَصَابَك مَرَضٌ أَوْ شِكَايَةٌ أَظْهَرَتْ مِنْ الْأَسَفِ فَوْقَ النِّهَايَةِ وَأَطَالَتْ الْحُزْنَ وَالنَّحِيبَ وَبَذَلَتْ مَالَهَا لِلطَّبِيبِ وَلَوْ خُيِّرَتْ بَيْنَ حَيَاتِك وَمَوْتِهَا لَآثَرَتْ حَيَاتَك بِأَعْلَى صَوْتِهَا هَذَا وَكَمْ عَامَلْتهَا بِسُوءِ الْخُلُقِ مِرَارًا فَدَعَتْ لَك بِالتَّوْفِيقِ سِرًّا وَجِهَارًا فَلَمَّا احْتَاجَتْ عِنْدَ الْكِبَرِ إلَيْك جَعَلْتهَا مِنْ أَهْوَنِ الْأَشْيَاءِ عَلَيْك فَشَبِعْت وَهِيَ جَائِعَةٌ وَرُوِيت وَهِيَ ضَائِعَةٌ وَقَدَّمْت عَلَيْهَا زوجتك وَأَوْلَادَك فِي الْإِحْسَانِ وَقَابَلْت أَيَادِيهَا بِالنِّسْيَانِ وَصَعُبَ لَدَيْك أَمْرُهَا وَهُوَ يَسِيرٌ وَطَالَ عَلَيْك عُمُرُهَا وَهُوَ قَصِيرٌ وَهَجَرْتهَا وَمَا لَهَا سِوَاك بعد الله نَصِيرٌ هَذَا وَمَوْلَاك قَدْ نَهَاك عَنْ الاف والتَّأْفِيفِ وَعَاتَبَك فِي حَقِّهَا بِعِتَابٍ لَطِيفٍ سَتُعَاقَبُ فِي دُنْيَاك بِعُقُوقِ الْبَنِينَ وَفِي أُخْرَاك بِالْبُعْدِ مِنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ حيث يُنَادِيك بِلِسَانِ التَّوْبِيخِ وَالتَّهْدِيدِ : { ذَلِكَ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيكُمْ وَأَنَّ اللَّهَ لَيْسَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ } .

نسأل الله أن يرزقنا البر بأباءنا وأمهاتنا

اللهم اغفر لأباءنا وأمهاتنا وأزواچنا وأبنائنا وكل عزيز لدينا

اللهم أطل أعمارهم وأحسن خواتيمهم وأحفظهم بحفظك يا حفيظ

قد يعجبك ايضا
تعليقات