د.مروة الجندي
هى قطع معدنية تزينت بخيوط الذهب والفضة والتى حفرها مجموعة من أمهر الفنانين والحرفيين وهى مهنة الحفر والنقش على النحاس أو «التكفيت على النحاس»، والذى برزت فى أشكال عديدة ومنها السيوف والقطع النحاسية كالمباخر المملوكية وكراسى العشاء وأدوات التجميل والمكاحل.. وغيرها من الأدوات النحاسية التى كانت لا تخلو من أى منزل أثناء العصر المملوكى وقد شهد فن التكفيت على النحاس ازدهاراً كبيراً فى تلك الفترة، حتى أن قاهرة المعز أنشأ فيه سوقاً كبيراً سُمى بسوق الكفاتين.
يستوحي صانعو ورشة «التكفيت» التاريخية أعمالهم الفنية بالغة الدقة من الآيات القرائية، فهناك النجمة الثمانية الإسلامية الشهيرة، وغيرها من النقوش الإسلامية التي تعود إلى آيات من القرآن الكريم، فضلاً عن أبيات من الشعر العربي القديم والحديث الذي يطلب بعض الزبائن كتابته خصيصاً على تحفهم النفيسة.
وتبدأ عملية الزخرفة والنقوش بعد اختيار شكل الآنية المطلوب صنعها حيث ترسم النقوش بأقلام نقش فولاذية خاصة بهذه المهنة وبمساعدة المطرقة والسندان ثم تُمسح القطعة جيداً حتى تعود إلى أصلها الطبيعى ثم يتم عزل القطعة التى يراد الحفر عليها بمادة شمعية لا تتأثر بالأحماض، ثم يقوم الفنان بالرسم بواسطة قلم حاد على هذه المادة ويتم تحديد الشكل المطلوب مما يسمح بوصول الحمض إلى جسم المعدن فوق الخدش أو الرسم ثم يقوم بتغطيس الآنية بحمض الآزوت الممدد وتركه لفترة حتى يأخذ الشق حجمه المطلوب وبعد إخراج القطعة من الحمض وغسلها وتنشيفها يتم تركيب خيوط الفضة أو الذهب فى هذه الشقوق وذلك بالطرق الخفيف عليه ليأخذ مكانه الصحيح وتسمى هذه الطريقة التطعيم بالفضة أو الذهب.
وتتم زخرفة النحاس أو النقش عليه بالفضة وهى صنعة لا يعرف سرها إلا القليل وتدعى مهنة «الألتونجية» وهى كلمة تركية مركبة من «ألتون» ومعناها النحاس ومن «جى» علامة النسبة التركية للمهنة، وتتطلب عملية النقش على النحاس من الحرفى مهارة عالية بالخط والرسم الدقيق الذى يتم بأدوات يدوية دون استخدام التقنية المتطورة بل بمجموعة بسيطة من الأدوات التى هى عبارة عن طاولة ومطارق حديدية متعددة الأحجام ومطارق خشبية ومجموعة من الأزاميل والأقلام الحديدية، فبتلك الأدوات البسيطة خلفت الحضارة الإسلامية تراثاً ثرياً من المقتنيات المملوكية والتى تزين العديد من المتاحف العالمية بالأوانى النحاسية المطعمة بالذهب والفضة، كما لعبت الزخرفة العربية دوراً كبيراً فى الفن الإسلامى بحيث غطى على الفنون الأخرى.
وتوارث المصريون مهنة التكفيت على النحاس من الجدود إلى الأبناء والأحفاد إلا أن عدد الحرفيين والفنانين بدأ فى الانقراض بسبب الظروف المعيشية،
ولم تعد المهنة ذات سوق رائجة، كما كانت في العصور الأولى للمماليك والأتراك، وإنما تواجه صعوبات بالغة منها ندرة العمالة المدربة، وأن عدد الفنانين المهرة هربوا من المهنة ومتاعبها، كما أن بعض الفنانين لم يقوموا بتوريث أبنائهم مهنة الجدود ما جعل المهنة تفقد الكثير من أسرارها عبر مرور الزمن.