عبدالله القطاري من تونس
في قلب بلا ريجيا، مدينة رومانية قديمة تقع في تونس، نكشف عن إحدى أروع الفسيفساء التي تبهر الأنظار وتروي قصة من زمن بعيد. تعود هذه الفسيفساء الرومانية إلى القرن الثالث الميلادي، وتعد مثالاً مذهلاً على العبقرية الفنية التي أبدع فيها الرومان.
ما يجعل هذه الفسيفساء فريدة ليس فقط دقة التفاصيل، بل القصص المخبأة في كل قطعة حجر. تمثل مشاهد أسطورية لآلهة وكائنات بحرية، تعكس علاقة الرومان العميقة بالأساطير والروحانيات. هذه الأعمال لم تكن مجرد تزيين، بل كانت رمزًا للمكانة الاجتماعية لأصحاب الفلل الرومانية.
بولا ريجيا، التي كانت مشهورة بفللها تحت الأرض، صُممت لتكون ملاذًا باردًا من حرارة الصيف القاسية. لكن الفخامة لا تقتصر فقط على الهندسة المعمارية؛ فقد كانت الفسيفساء جزءًا من ثقافة الثراء والرفاهية، حيث كانت الأرضيات المُزخرفة تُستخدم لتزيين منازل النخبة الرومانية، وتمنحها رونقًا جماليًا مذهلاً.
لكن السؤال الذي يطرح نفسه: كيف استطاع هؤلاء الفنانون الرومان أن ينقلوا هذا القدر من الجمال والإبداع في تفاصيل صغيرة الحجم؟ قطع الفسيفساء التي تتناثر على الأرض كانت تروي حكايات أسطورية وتُبرز الذوق الرفيع، حيث اختار كل حجر بدقة ليُظهر أروع ما في الفن الروماني.
إذا كانت الفسيفساء مجرد جزء من الجمال الخارجي، فإنها كانت تعبيرًا عن قوة الثقافة الرومانية وقدرتها على دمج الفن مع الحياة اليومية، مما يضفي على المكان شخصية فريدة ويجعله ملاذًا للروح والجمال.