بقلم: بسمة خالد
أخصائي علم النفس والإرشاد الأسري
الشخصية النرجسية تعتبر من أكثر أنماط الشخصيات التي تلفت الانتباه، لما تحمله من تناقضات واضحة بين مظاهر القوة والثقة وبين الضعف الداخلي الذي قد تخفيه. النرجسية ليست مجرد شعور طبيعي بحب الذات أو الإعجاب بالنفس، بل هي اضطراب نفسي يتميز بسمات محددة تؤثر على الشخص وعلاقاته الاجتماعية. لذا، فإن فهم الشخصية النرجسية يتطلب استكشاف أبعادها العميقة وأسبابها والتعقيدات التي تفرضها.
غالبًا ما يُظهر الشخص النرجسي اهتمامًا مبالغًا بذاته، ويبحث بشكل دائم عن التقدير والإعجاب من الآخرين. ومع ذلك، فإن هذا السلوك قد يكون مجرد قناع يخفي وراءه ضعف الثقة بالنفس وحساسية مفرطة للنقد. النرجسي يميل إلى رؤية نفسه كشخص مميز ومتفوق، ويبالغ في الحديث عن إنجازاته ليؤكد هذه الصورة أمام الآخرين. في الوقت نفسه، يعاني من صعوبة في التعاطف مع مشاعر الآخرين، ما يجعل علاقاته سطحية وغير مستقرة.
تُعتبر النرجسية نتيجة تفاعل معقد بين العوامل الوراثية والبيئية. تشير الدراسات إلى أن الاستعداد الوراثي قد يلعب دورًا في تطور هذه الشخصية، حيث تؤثر بعض الجينات على السمات الشخصية بطرق معينة. البيئة الأسرية تلعب أيضًا دورًا مهمًا؛ فالتربية التي تتسم بالتدليل المفرط أو النقد القاسي يمكن أن تؤدي إلى تطوير سلوكيات نرجسية. التجارب الحياتية، مثل الشعور بالنقص أو التجاهل خلال مراحل الطفولة، قد تدفع الشخص إلى بناء صورة مثالية عن نفسه لتعويض ما افتقده.
تفرض الشخصية النرجسية صعوبات كبيرة في العلاقات الاجتماعية والعاطفية. العلاقات مع النرجسي غالبًا ما تكون غير متوازنة؛ فهو يسعى للسيطرة والبحث عن التقدير دون أن يقدم مقابلاً كافيًا للطرف الآخر. ضعف التعاطف يجعله غير قادر على بناء روابط عاطفية عميقة، مما يؤدي إلى صراعات متكررة وخيبات أمل في العلاقة. بالإضافة إلى ذلك، فإن حساسيته المفرطة للنقد تجعل التعامل معه أكثر تعقيدًا، حيث قد يبالغ في ردود أفعاله إذا شعر بعدم التقدير.
إذا كنت تتعامل مع شخص نرجسي، فمن المهم أن تحافظ على توازنك النفسي وتضع حدودًا واضحة في التعامل معه. النرجسي قد يحاول التلاعب بمشاعرك أو تحميلك مسؤولية أفعاله، لذا عليك أن تكون واعيًا بهذا السلوك وأن تفصل بين مشاعرك ومحاولاته للسيطرة. التعاطف مطلوب في التعامل معه، لكن دون أن تسمح للطرف الآخر بأن يكون ضحية لسلوكياته. في بعض الحالات، قد يكون من الضروري طلب المساعدة من متخصص نفسي لتقديم الدعم والتوجيه اللازمين.
إن التعامل مع الشخصية النرجسية يتطلب وعيًا عميقًا وإدراكًا بأن التوازن بين التعاطف وحماية النفس هو المفتاح. فهم هذه الشخصية ليس فقط لفهم الآخر، بل أيضًا لفهم تأثيرها علينا، وكيفية بناء حدود تحافظ على استقرارنا النفسي وسط تعقيدات العلاقات.