القاهرية
العالم بين يديك

الأزياء السورية عبر العصور

10

د. إيمان بشير ابوكبدة

تعكس الملابس التقليدية في سوريا التراث الثقافي الغني للبلاد، حيث تمزج بين التأثيرات من مختلف المناطق والمجتمعات. من التطريز المعقد على الثوب إلى العباءة الأنيقة، تعمل هذه الملابس كتعبير ملموس عن الهوية والتقاليد السورية.

في سوريا الحديثة، لا تزال الملابس التقليدية تحمل أهمية كرمز للفخر الثقافي والارتباط بالماضي. وسواء ارتداها الرجال والنساء في المناسبات الاحتفالية أو ارتدوها في حياتهم اليومية، فإن هذه الأزياء توفر رابطًا ذا مغزى بالأعمال الفنية والمنسوجات الثقافية والعادات السورية.

يعتبر الاحتشام في الملابس من التوقع المشترك بين الرجال والنساء، وذلك متأثرًا بالتراث الثقافي الغني للبلاد. وقد تشكل هذا التراث من خلال حضارات مثل الرومان والبيزنطيين، المعروفين بملابسهم الفضفاضة الأنيقة، والعصر الإسلامي، الذي أدخل الاحتشام كمبدأ أساسي في اللباس.

أضافت الفترة العثمانية لمسة خاصة من خلال التطريز المعقد والأقمشة الفاخرة. بالنسبة للرجال، عادة ما يتضمن اللباس المحتشم ارتداء السراويل والقمصان ذات الأكمام، والتي غالبًا ما تكون مستوحاة من الأنماط الغربية والتأثيرات التقليدية.

تعكس ملابس النساء مزيجًا من هذه الجذور التاريخية. فالحجاب، الذي يُرتدى غالبًا كغطاء للرأس، هو الخيار الشائع، في حين تختار بعض النساء العباءات الطويلة أو السترات الفضفاضة، التي تعكس التقاليد العثمانية والإسلامية. في المناطق الريفية، تعكس الملابس التقليدية السورية مثل النقاب أو الفساتين المطرزة الروابط العميقة التي تربط سوريا بماضيها. ويخلق هذا المزيج من القديم والجديد مشهداً للأزياء غنياً ثقافياً بقدر ثراء سوريا نفسها.

العصر البرونزي المبكر (3000-2000 قبل الميلاد)
البدايات المميزة لإيبلا في ولاية إيبلا الصاخبة، لم تكن الملابس مجرد وسيلة لتغطية الجسد فحسب، بل كانت تعكس الهوية. كانت الإدارة المركزية تجمع الملابس من القرى وتوزعها على النخبة. وكان الصوف والكتان من الأقمشة المفضلة، وكانت الألوان تتراوح من الأبيض الكلاسيكي إلى الأحمر النابض بالحياة، بفضل صبغة الفوة. التنورات والعباءات متعددة الألوان ترمز إلى الهيبة، وتهدى للملوك والشيوخ لإبرام التحالفات أو الاحتفال بالانتصارات. وفي حفلات الزفاف والجنازات، كانت النساء يرتدين أطقمًا بيضاء أو حمراء، بينما كان الملوك يرتدون عباءات متقنة ذات خصلات من الصوف. وحتى الآلهة كانت لها تفضيلاتها في الملابس، مما يثبت أن الموضة كانت تتمتع دائمًا بجاذبية إلهية.

العصر العثماني (القرنين السادس عشر والتاسع عشر)
حيث اكتسبت الملابس السورية لمسة فاخرة. وكان تأثير الأزياء العثمانية واضحاً في أردية الحرير والديباج التي كانت تزين الرجال والنساء على حد سواء. وأصبحت قفطانات الرجال وطرابيشهم رمزاً للأناقة، في حين كانت الأنتريهات النسائية تتلألأ بتطريزات الخيوط الذهبية. ومع ذلك، حتى في خضم هذا الفخامة، ظلت سوريا متمسكة بهويتها الإقليمية الفريدة. فلم تكن الملابس مجرد بيان للأزياء، بل كانت علامة على المكانة والثروة والتقاليد.

القرن التاسع عشر
لمسة من الذوق الغربي وقد جلب القرن التاسع عشر التجار الفرنسيين والبريطانيين إلى هذا المزيج، ومعهم لمحة من الأناقة الأوروبية. فقد اقترن الرجال السوريون الأثرياء بالجلباب التقليدي والسترات الأوروبية. وشهدت الملابس النسائية مزيجًا رائعًا من الشرق والغرب، حيث تبنى السكان المحليون الأنماط الأجنبية مع الحفاظ على جذورهم الثقافية.

القرن العشرين
التقليد يمتزج بالحداثة في القرن العشرين، اجتاح التحضر والتأثير الغربي المدن السورية. واستبدل الرجال القفاطين بالبدلات، وتبنت النساء الموضة الحديثة للارتداء اليومي. ومع ذلك، ظلت الملابس التقليدية محتفظة بمكانتها خلال الاحتفالات والمناسبات الثقافية. وظل التطريز الملون الذي يروي قصص التراث عنصراً عزيزاً في الملابس السورية، مما يثبت أنه حتى مع تطور الأنماط، فإن بعض التقاليد لا تتأثر بمرور الزمن.

الحاضر
اندماج عصري اليوم، تجمع اتجاهات الموضة السورية بين القديم والجديد بكل سهولة. حيث يتم تنسيق الملابس التقليدية مثل الإنتاري مع الإكسسوارات الحديثة، مما يخلق مزيجًا فريدًا من التراث والأناقة المعاصرة. سواء كان ذلك زيًا مطرزًا بشكل غني لحفل زفاف أو مجموعة عصرية غير رسمية مع لمسة من التطريز، فإن الملابس السورية لا تزال تحكي قصص ماضيها الغني مع احتضان المستقبل.

الأزياء السورية في مناطق مختلف


في شمال سوريا، يساهم دمج العناصر التركية والكردية في الزي التقليدي في إثراء المشهد الأزياءي.

ويظهر التأثير التركي جليًا في الألوان النابضة بالحياة والأقمشة الفخمة، مثل الحرير الشفاف الناعم والمخمل. كما تزين التطريزات المعقدة المزخرفة بزخارف نباتية وأنماط هندسية الملابس مثل الثوب والحجاب.

وعلى نحو مماثل، ينعكس التأثير الكردي في استخدام الألوان الترابية والأقمشة مثل الصوف والقطن. وتنتشر الأنماط الهندسية الجريئة، بما في ذلك الخطوط والمربعات، في الملابس مثل السروال والسترات التقليدية. كما تبرز أيضًا الأشكال المتموجة، التي تميز الملابس الكردية.

شرق سوريا
في شرق سوريا، تعكس الملابس التقليدية التقاليد البدوية والرحلة، وتجسد التراث الثقافي للمنطقة. هذه الملابس، التي تتأثر بأسلوب حياة وعادات هذه المجتمعات، مصنوعة من مواد طبيعية مثل الصوف والحرير المخلوط والقطن وشعر الإبل، وتوفر الحماية في بيئة الصحراء القاسية.

الملابس، مثل الثوب الطويل أو الدشداشة، فضفاضة وخفيفة الوزن، مما يسهل الحركة والتهوية. أما أغطية الرأس مثل الكوفية أو الأوشحة فتحمي الأفراد من الشمس والرمال والرياح السائدة في الصحراء.

تزين الإكسسوارات، التي تتميز بتطريزات متقاطعة معقدة أو زخارف قبلية، الملابس السورية الشرقية. تخدم الأحزمة والشرائط والشالات أغراضًا زخرفية وعملية، وتضيف لمسة من الأناقة إلى الملابس أثناء تأمين الملابس أو حمل الضروريات.

وسط سوريا
غالبًا ما تتضمن الملابس التقليدية في وسط سوريا عناصر مستعارة من اتجاهات الموضة الحضرية، مما يعكس الطبيعة العالمية للمنطقة. وبينما تحتفظ الملابس بالقصات والتصميمات التقليدية، فقد تتميز بأقمشة حديثة مثل القطن والكتان، مما يوفر الراحة والأناقة.

تظل الملابس الأنيقة والفساتين بارزة في ملابس سوريا الوسطى، وهي مصممة بإتقان لتضفي على الملابس رقيًا ورشاقة. وتعزز التطريزات المعقدة والأنماط الدقيقة والتفاصيل الدقيقة جاذبية هذه المجموعات التقليدية، وتبرز براعة الصنعة.

وتضيف الإكسسوارات مثل أحزمة الخصر، وأغطية الرأس الحريرية المزخرفة، والمجوهرات ذات التصميم المعقد لمسة من السحر وتكمل المظهر بشكل جميل.

جنوب سوريا
غالبًا ما تجمع الملابس التقليدية في جنوب سوريا بين عناصر من الطراز البدوي والفلسطيني، مما يُبرز الأشكال والتصميمات الفريدة. تُصنع هذه الملابس من مواد طبيعية مثل الصوف والقطن والكتان، ويتم اختيارها لمتانتها وراحتها في المناخ الجاف في المنطقة.

إن تأثير الثقافة البدوية واضح في الملابس الفضفاضة وأغطية الرأس التي يرتديها الناس للحماية من الشمس والرمال. كما تظهر التأثيرات الفلسطينية في التطريز المعقد والأنماط النابضة بالحياة التي تزين هذه الملابس، مما يضيف اللون والأناقة.

تلعب الإكسسوارات دورًا مهمًا، حيث تكمل الأحزمة المطرزة والمجوهرات المصنوعة من الخرز والأحذية التقليدية المظهر العام. وغالبًا ما تحمل هذه الإكسسوارات معنى رمزيًا، وتمثل الهوية الثقافية والتراث.

قد يعجبك ايضا
تعليقات