بسمة خالد
أخصائي علم النفس والإرشاد الأسري
هل شعرت يومًا برغبة ملحّة تدفعك للبقاء في سريرك، حتى عندما تكون قد حصلت على قسطٍ كافٍ من النوم؟ قد تجد في السرير مكانًا يشعرك بالأمان والدفء، بعيدًا عن مسؤوليات الحياة وضغوطها. هذه الحالة، التي يمر بها البعض، تُعرف باسم الكلينومينيا (Clinomania)، أو ما يُطلق عليها أحيانًا الديسانيا. ورغم أنها قد تبدو مجرد كسل عابر، إلا أنها تحمل أبعادًا نفسية واجتماعية أعمق تستحق التوقف عندها لفهمها والتعامل معها.
الكلينومينيا ليست اضطرابًا نفسيًا مستقلًا كما قد يعتقد البعض، لكنها ظاهرة ترتبط بمجموعة من العوامل النفسية والاجتماعية والبيولوجية. تتمثل هذه الحالة في رغبة دائمة بالبقاء في السرير لفترات طويلة، حتى بعد الحصول على نوم كافٍ. يشعر المصاب بها بالراحة والسكينة أثناء البقاء في السرير، مقارنة بالشعور بالقلق أو الضغط عند التفكير في مغادرته. هذه الرغبة قد تكون انعكاسًا لمجموعة من الظروف التي يمر بها الشخص، سواء كانت نفسية أو سلوكية.
تشير الدراسات إلى أن الكلينومينيا قد تنشأ نتيجة عوامل متعددة. التكنولوجيا الحديثة تعدّ أحد أبرز العوامل، حيث يقضي الكثيرون، خاصة الشباب، ساعات طويلة أمام الشاشات. هذا السلوك يسبب اضطرابات في النوم، ويقلل من التفاعل مع الأنشطة الواقعية، مما يعزز الميل للانعزال في السرير. من ناحية أخرى، يمكن أن تكون الكلينومينيا انعكاسًا لحالات نفسية أعمق مثل الاكتئاب واضطرابات القلق ومتلازمة التعب المزمن. هذه الحالات تجعل من السرير ملاذًا آمنًا ومريحًا للهروب من الضغوط. ومع التقدم في العمر، قد يصبح البقاء في السرير أكثر شيوعًا بسبب الشعور بالوحدة أو مواجهة مشاكل صحية، مما يؤدي إلى العزلة والانغماس في هذه العادة.
الشخص المصاب بالكلينومينيا غالبًا ما يظهر سلوكيات تدل على تعلقه المفرط بسريره. قد يعاني من صعوبة واضحة في مغادرته حتى بعد الاستيقاظ الكامل، ويشعر بسعادة غامرة عند العودة إليه بعد يوم طويل. التفكير المستمر في السرير وما يوفره من دفء وراحة يسيطر على ذهنه، وقد يتحول السرير إلى مركز لنشاطاته اليومية، مثل الأكل أو استخدام الهاتف، مما يعزز الاعتماد عليه كملاذ دائم.
للتعامل مع الكلينومينيا، من الضروري تنظيم الروتين اليومي بشكل يساعد الشخص على تحقيق التوازن بين النوم والنشاط. تحديد أوقات ثابتة للنوم والاستيقاظ يساعد الجسم على استعادة دورته الطبيعية. ممارسة الرياضة بانتظام تُعدّ من الحلول الفعالة، إذ تُعزز إفراز هرمونات السعادة مثل الإندورفين، مما يحفز الشخص على النشاط. كما يُنصح بتقليل وقت استخدام التكنولوجيا، خاصة قبل النوم، لأنها تؤثر سلبًا على جودة النوم وتزيد من التعلق بالسرير. وفي حال استمرار الحالة أو تفاقمها، يمكن أن يكون طلب المساعدة من متخصص نفسي خطوة ضرورية لاستكشاف أسبابها ووضع خطة علاجية مناسبة.
في النهاية، الكلينومينيا ليست مجرد ميل للراحة، بل قد تكون إشارة إلى حاجة أعمق لفهم الذات والتعامل مع الضغوط. حاول أن تخطو خطوة صغيرة اليوم نحو التغيير، وتذكر أن السرير مكان للراحة الجسدية، وليس للهروب من الحياة.