د. فرج العادلي
بداية ينبغي علينا أن نعلم أن لكل دين خُلق وأن خُلقَ الإسلام الحياء، كما قال سيدنا رسول الله-صلى الله عليه وسلم-.
وإذا أردنا أن نقرب المسألة (إن جاز لنا) نقول: لكل دين سمة أو علامة أو ثوب يتحلى به، وثوب الإسلام الحياء.
إذن هذه الصفة ليست رفاهية أو تكميلية بل هي من أعظم السمات أو الصفات الدالة على الإسلام العظيم.
ولذلك قال سيدنا رسول الله- صلى الله عليه وسلم – (…الحياء شعبة من شعب الإيمان.)
وقال أيضا ( ما دخل الحياء في شيء إلا زانه، واما انتُزع من شيء إلا شانة)
وقال الإمام ابن حجر رحمه الله معرفا إياه :« الحياء وصفٌ يحمل صاحبه على ارتكاب الحميد، واجتناب القبيح »
وهذا الخلق الكريم كان ظاهرا جليا في سيد الخلق سيدنا محمد-صلى الله عليه وسلم- حتى وصِفَ بأنه كان أشدَ من العذراء في خدرها.
والحياء كان مطلبا في جميع الشرائع السابقة ولا زال.
ومما يدل عليه قوله-صلى الله عليه وسلم- وإن مما أدرك الناس من كلام النبوة الأولى إذا لم تستحي ، فاصنع ما شئت. رواه البخاري.
والحياء يكون من خمسةٍ
الأول: الله سبحانه وتعالى، فإذا علمت أنه يراك، ويطلع عليك، وأنه لك بالمرصاد، وجب عليك ألا تجعله أهون الناظرين إليك،
فتفعل ما نهاك عنه، وتترك ما أمرك به مع أن تعلم أنه يراقبك سبحانه وتعالى، وقلنا لا تجعله أهو الناظرين إليك، لأنك لو علمت أن في المكان كاميرات يطلع عليها بشر مثلك ( كمديرك في العمل) لصنت نفسك وحفظتها وصنعت كل جميل وترفعت عن كل قبيح، فكيف برب العالمين سبحانه وتعالى الذي بيده أمرك ورزقك وصحتك وأجلك ونارك وجنتك ؟!
الثاني: الحياء من الملائكة، فلا تضطرهم أن يدخلوا معك الخلاء أو الحمام ليكتبوا ما تقول، فاصمت في مثل هذا الموطن، وهو واجب عليك، كذلك لا تكثر من الكلام فيما لا فائدة فيه، لأنك تكلف الملائكة كتابة كل ذلك، وتكلف نفسك الوقوف طويلا للحساب على هذا الكلام، فاعلم أنه ما يلفظ من قول إلا لديه رقيب عتيد، واعلم أن الملائكة خلق من خلق الله كرام، قال تعالى،( وإن عليكم لحافظين كراما كاتبين) فيجب أن تكرم الكريم.
ثالثا: الحياء من النفس، ويكون بصنع أشياء مشينة في الخلوات، فإذا أغلقت الباب على نفسك ثم عصيت ربك، فأنت تهين نفسك وأعضاءك التي ستشهد عليك يوم القيامة، فأكرم نفسك وصنها وارفع قدرها حتى أمام نفسك أنت.
رابعا: الحياء من الناس، فلا تفعل ما تعاب عليه وتلام وتذم، ولا تترك ما تُحمد عليه وتُشكر، ولا تقل أنا لا أهتم لأمر الناس، لا، بل يجب أن تهتم فلا تضع نفسك في مواطن التهم والريبة، وتفعل ما يزدريك الناس به، فإذا التزمت الحياء أمامهم فقد حليت نفسك بحلة من حلل الإيمان، وكنت مراعيا للذوق العام، وكنت جميلا أنيقا فلا تصخب، ولا تضحك بصوت مرتفع، ولا تسخر، ولا تلقِ شيئا في الطرقات، كن جميلا حليما صبورا شكورا راقيا مهذبا.
الخامس: الحياء من الحيوان، فلا ينزع الإنسان ثيابه أمام حيوانه الأليف، ولا يدخل الخلاء أو الحمام وهو موجود فيه.
فإن فعل الإنسان ذلك كان ممن تخلقوا بخلق الحياء، وكان من المحافظين على ثوب الإسلام العظيم وهو الحياء.
وهذا فيه من الخير في الدنيا والآخرة ما فيه.
ولكن يجب أن تنتبه إلا أن الحياء قد يكون مذموما وذلك إذا منعك من طلب العلم، أو طلب حق لك عندك شخصٍ ما.
ألبسنا الله وإياكم حلة الحياء.