رانيا فتحي
في سابقة تحمل أبعادًا قانونية وسياسية كبرى، أصدرت المحكمة الجنائية الدولية مذكرات توقيف بحق رئيس وزراء دولة الاحتلال الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، ووزير الدفاع السابق يوآف جالانت.
تتعلق هذه المذكرات بارتكاب جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية خلال الحملة العسكرية الإسرائيلية العنيفة والقاسية على قطاع غزة، فيما أثار هذا القرار موجة واسعة من ردود الأفعال العالمية المتباينة، تعكس تعقيد هذا الملف الدولي.
استنكار إسرائيلي واتهامات
وصف “نتنياهو” المحكمة الجنائية الدولية بأنها “عدو للإنسانية”، في مقطع فيديو نشره على منصة التواصل الاجتماعي “إكس”، واتهم المحكمة بمعاداة السامية، معتبرًا أن الهدف من القرار هو ردع إسرائيل عن “حقها الطبيعي” في الدفاع عن نفسها.
ووفق “رويترز”، صرح جالانت بأن إسرائيل لن تُحرم من حقها في الدفاع عن نفسها وتحقيق أهدافها في “حربها العادلة”، أما إسحاق هرتسوج الرئيس الإسرائيلي فزعم أن المحكمة اختارت الوقوف إلى جانب “الإرهاب والشر”، متهمًا إياها بأنها أصبحت درعًا لجرائم حماس، كذلك وزير الأمن القومي الإسرائيلي إيتمار بن جفير وصف المحكمة بأنها معادية للسامية بشكل صريح، أما وزير الدفاع الإسرائيلي جدعون ساعر فاعتبر أن المحكمة فقدت شرعيتها بإصدارها “أوامر سخيفة دون سلطة”.
ترحيب فلسطيني
وأعربت السلطة الفلسطينية عن دعمها الكامل لقرار المحكمة، وحثَّت الدول الأعضاء على تنفيذه، وفقًا لوكالة الأنباء الفلسطينية “وفا”، فيما رحبت حركة حماس بقرار المحكمة، واعتبرته خطوة أولى على طريق العدالة، لكنها طالبت بتوسيع التحقيق ليشمل جميع قادة “الاحتلال الإسرائيلي الإجرامي”.
انقسامات دولية بين الدعم والرفض
في اشنطن، رفضت الولايات المتحدة قرار المحكمة بشدة، ووصفت إجراءات المدعي العام بأنها متسرعة وذات أخطاء إجرائية، بينما أكد رئيس الوزراء الكندي جاستن ترودو أهمية الالتزام بالقانون الدولي، مشيرًا إلى أن بلاده ستحترم قرارات المحاكم الدولية.
وفي الاتحاد الأوروبي، أكد جوزيب بوريل، وزير خارجية الاتحاد الأوروبي، أن القرار غير سياسي، داعيًا الدول الأعضاء إلى احترام وتنفيذ أحكام المحكمة، كما أعلنت دول مثل هولندا، إيطاليا، إسبانيا، والنرويج التزامها بنظام روما الأساسي، رغم أن بعضها أبدى تحفظًا على القرار.
وقالت هولندا وسويسرا وأيرلندا وإيطاليا وإسبانيا إنها ستفي بالتزاماتها في ما يتصل بنظام روما والقانون الدولي. وقالت النمسا الشيء نفسه، رغم أن وزير خارجيتها ألكسندر شالنبرج أضاف أن مذكرة التوقيف سخيفة.
وقالت وزارة الخارجية الفرنسية، إن ردها على مذكرات الاعتقال سيكون متوافقًا مع قوانين المحكمة الجنائية الدولية، بينما قال متحدث باسم رئيس الوزراء البريطاني كير ستارمر إن بريطانيا تحترم استقلال المحكمة الجنائية الدولية.
وقال وزير خارجية النرويج إسبن بارث إيدي: “من المهم أن تنفذ المحكمة الجنائية الدولية مهمتها بطريقة حكيمة. وأنا على ثقة من أن المحكمة ستمضي قدماً في القضية على أساس أعلى معايير المحاكمة العادلة”، فيما قالت وزيرة الخارجية السويدية ماريا مالمر ستينرجارد إن السويد والاتحاد الأوروبي “يدعمان العمل المهم الذي تقوم به المحكمة ويحميان استقلالها وسلامتها”.
وقال وزير الخارجية التركي هاكان فيدان إن مذكرة الاعتقال التي أصدرتها المحكمة الجنائية الدولية تشكل خطوة “مبشرة” ومهمة للغاية في تقديم السلطات الإسرائيلية التي ارتكبت جرائم إبادة جماعية ضد الفلسطينيين إلى العدالة. وأضاف فيدان: “سنواصل العمل لضمان تطبيق القانون الدولي لمعاقبة مرتكبي جرائم الإبادة الجماعية”.
موقف الشرق الأوسط وإفريقيا
في الأردن، دعا وزير الخارجية أيمن الصفدي إلى احترام أحكام المحكمة وتنفيذها، معتبرًا أن الفلسطينيين يستحقون العدالة، أما في جنوب إفريقيا فرحبت بالقرار، واعتبرته خطوة نحو تحقيق العدالة في الجرائم المرتكبة بفلسطين.
وتُبرز مذكرات التوقيف التي أصدرتها المحكمة الجنائية الدولية صراعًا دوليًا بين العدالة والمصالح السياسية. ففي حين أن القرار يُعج إنجازًا قانونيًا يرسخ لمبدأ المساءلة الدولية، إلا أنه يثير تساؤلات حول مستقبل المحكمة وعلاقتها بالقوى الكبرى والدول الأعضاء، وسيظل هذا الملف اختبارًا حقيقيًا لإرادة المجتمع الدولي في تحقيق العدالة لجميع الضحايا، بغض النظر عن هويتهم أو مواقفهم السياسية.