القاهرية
العالم بين يديك

“القلاع والأسوار: من دروع الحماية إلى رموز الفشل في وجه التحديات”

7

محمود سعيد برغش

منذ العصور الإسلامية الأولى، كانت الأسوار والقلاع تُعتبر وسائل دفاعية أساسية لحماية المدن من المعتدين. ومع ذلك، تبين مع مرور الوقت أن هذه الأسوار قد تكون أكثر رمزًا للضعف من كونها حصونًا حقيقية. في بدايات الفتوحات الإسلامية، كان القائد خالد بن الوليد يواجه تحديات كبيرة في اجتياز الأسوار العالية أثناء معاركه. إلا أن براعته العسكرية وحكمته الحربية مكنته من تجاوز هذه العقبات، ليبقى ذكره حيًا في ذاكرة التاريخ. هذه الأمثلة تظهر أن الأسوار، رغم قوتها الظاهرة، لم تكن دائمًا الضمان الأكبر للنجاح.

في فترة الخليفة عمر بن عبد العزيز، كان لديه رؤية مختلفة. فعندما طلب أحد الولاة المال لبناء سور حول مدينته، رفض الخليفة قائلاً: “اعدل بين الناس يكفيك عن الأسوار”. كان يعبر بذلك عن إيمانه بأن العدل والتوزيع المتساوي للموارد والسلطة يكفي لتوفير الأمان والحماية للمدينة، بدلاً من الاعتماد على الأسوار كحل دائم.

وفي عصر الخليفة أبو جعفر المنصور، الذي أسس مدينة بغداد، تم بناء أسوار ضخمة تحيط بالمدينة. ولكن مع مرور الزمن، وعند ظهور التتار، دخلوا المدينة دون أن توقفهم هذه الأسوار. هذا يعكس الفكرة أن القلاع والأسوار يمكن أن تكون عاجزة أمام القوى الأكثر قوة وتنظيمًا.

كما أن حكامًا مثل طوران شاه الذي قتل في قلعته على يد المماليك، يُظهرون كيف يمكن للقلاع أن تتحول إلى سجون للسلطة والمستبدين، بدلاً من أن تكون حصونًا تمنح الأمان. فقد كانت القلاع في هذه الحالة رمزًا للانعزال والتفرد بالسلطة، وهو ما لم يوفر لهم الحماية في النهاية.

وفي العصر الحديث، نجد حكامًا يشيدون قلاعًا داخل المدن أو على أطرافها بعيدًا عن الناس. ولكن رغم التقدم التكنولوجي والهندسي، تبقى الفكرة نفسها قائمة: هل ستظل الأسوار تمثل الحماية الحقيقية، أم أنها ستكون مجرد مظهر يخبئ وراءه ضعفًا داخليًا؟ في عالم يتسم بالتحولات السريعة والتحديات المتزايدة، قد يكون الأمان الحقيقي في الابتكار والتحول الاجتماعي والسياسي، وليس في جدران حجرية.

هذا يطرح تساؤلات حول قيمة الأسوار في حماية المجتمعات في العصور القديمة مقارنة بالعصر الحديث، وكيف يمكن للحكام أن يتخذوا من الحكمة والعدل أسسًا للتنمية الحقيقية التي تتجاوز الحدود التقليدية للجدران والقلعة.

قد يعجبك ايضا
تعليقات