سامح بسيوني
أشرقت شمس العيد على قريتنا في غير وجهها المعتاد، فلا النور أصبح نورًا، ولا الحب أصبح في الصدور، واختبأ الشعاع وراء الحجب؛ معلنًا سواد في القلوب كغرابيب سود في ليلة حالكة بظلام والغيوم.
استقبلت القرية العيد في غير زيها المعروف، فالوجوه عابسة، والجلابيب باهتة كالليل بهيم، والدروب مليئة بالهموم والأحزان.
جاء الشتاء محملًا ببرد قارس، فامتزج البرد بالأوجاع، فازادت المعاناة، واختفت تلك الوجوه الطيبة مع الغروب- حتى توارات في الحجاب- وأخلاق تحتضر وتنتظر المشيعين.
وحدائق البساتين أجدبت وغار ماؤها واصفر شجرها، (فأصبحت كالصريم) وانطفأت عيون الماء من كثرة الحاسدين.
يالها من أيام قاسية! لا تفرق بين صالح وطالح، فالكل في كأسها شارب وكالح.
هناك سافرت، وتركت أرضًا تربيت وترعرعت فيها، ونشأت عند شجرة التوت، وحال الصبية يتنافسون برميها بالاحجار وهي ترميهم بأطيب الثمار.
فلما كبرت يا وطني، هاجرت هجرة الكاره المكره على الفراق، نعم وجدت هناك المال، ولكن فقدت الأهل والأصدقاء ودفء المكان.
ٌٌٌٰرميت يا وطني، بالاحجار ليس من عدو، بل من القريب؛ حتى تهالكت وأنت الآن تحاول الإمساك، وتدعي بأن لكَ قوةً خارقةً، ولكنك بوحشيتنا وظلمنا،وطغياننا في البلاد؛ سرت كاعجاز نخل خوى من داخله، فأصبح كحطام في سالف الدهر والأزمان.
وتكالبت الأعداء عليك من كل حدب وصوب، وأنت مسكين تفر منهم فرار الخائف الضرير؛ لذلك صارت الوجوه عابسة؛ فلا رائحة الورد تجذبني، ولا عبير الحب يراودني، وأصبحنا في ساقية ندور حولها، ننتظر شروق العدل من جديد.
أيتها الشمس الغائبة؛ ألم يأذن لكِ بفجر جديد! يأتي محملًا بشعلة الحق والنور المبين، فتعود الضحكة الغائبة إلى القلوب فترسم على الوجوه أجمل الألحان وأصدق الوعود، وأعود أشم رائحة الورد من جديد، واستمتع بصوت الكروان في سكون الليل الجميل، والقمر يزين السماء، ويضي الكون للعاشقين، ونسمات الفجر تأتي محملة بأطيب الياسمين.
أيها الفجر الغائب، أنا في انتظارك رغم بعد المسافات وطول الطريق!