سامح بسيوني
مع غروب الشمس شرعت السماء تتزين بألوان الغسق، فامتزجت شعاع الشمس البرتقالي باللون البنفسجي التي تتبختر بها السماء، وحمل لنا الهواء رائحة الأزهار المتفتحة، وصوت الكروان يهدي لنا أجمل الألحان.
وكان البحر أمامي يمتد بلا نهاية، وكأنه يأخذني إلى عالم الأماني، وأمتزجت زرقة السماء بزرقته فرسمت لنا إبداع الخالق- سبحانه وتعالى- في خلقه المليء بالٱيات والعبرات.
وحينها شعرت بحرية لطالما افتقدتها في حياة مليئة
بنفس الأحداث التي تتكرر يومًا بعد يوم، فسمئت من ذاك التكرار المميت ففقدنا فيه معنى الحياة، فضغوطها طغت على الإنسان، وأصبحنا لا نشعر بألوان الحياة ولا طعمها، ننتقل من حال إلى حال ولسان حالنا في حالة عجز، ولكنه يريد مقاومة ذاك التيار.
وسرحت بخيالي لذكريات أود تكرارها حيث كان حال جدتي تقص على أحسن القصص في ليلة شتوية فكنت أشعر فيها بالدفء والحنان، وأنا أنصت لذكريات الزمان، وكيف كان إبداعها عن البحار؟ وكيف كان البحارة يرون في البحر متعة الحياة والتخلص من مرارة الأيام، والعيش بحرية بعيدة عن حدود الأرض وظلم الإنسان.
فأخذتني سنة من النوم في الحال، ورأيت نفسي كعقلة الإصبع أغوص في أعماق البحار ، وأتنقل بين أعماقه بحرية ومهارة الغواص.
وعندئذ أحسست بسعادة كفاقد راحلته في أرض فلاة، أمتزجت تلك السعادة العابرة مع التأمل في خلق الله؛ وعندئذ أدركت حقيقة غابت عن البشر بأن الرزق بيد الله، فكم من أنواع كثيرة في البحر من أسماك ومحار وأصداف كل ذلك متوكل على الله!
فخاطبت نفسي وأنا في عالم البحار لماذا فقد الإنسان إنسانيته وتجبر في الأرض بغير سلطان؟ وكيف وصل به الحال بأنه يتصارع في الحياة كمصارعة الأسماك لبعضهم من أجل الحياة؟ هكذا فقدت البشرية عقولها وأصيبت بتيفود في أذنها وختم على قلوبها بأقفال ليس له حدود عبر السنين.
وظللت أبحر في يم واسع الآفاق استنشق فيه رائحة الذكريات والتمس فيه عدل غربت شمسه وتنتظر شروقا؛ ليعيد لها حقا غاب عن الزمان.
يالها من لحظات دافئة رغم برودة المياة، والتطام موج البحار، جعلتني مع شدتها أتناسي فيها مرارة العيش وظلم الإنسان.
أيها البحر الواسع الٱمال، ارى فيك الأمان، رغم برودة المياة، وأتأمل في صفاء مائكَ وأتمنى أن ترسله للإنسان؛ لينقي نفسه من الحقد والحسد والنفاق.
واستيقظت من أحلامي على صوت جدتي، وهى تصنع لي كوبا من الشاي، وتقول لي بأن الفجر قد حان، قم فصل في الحال، وأن الشمس تستعد لشروق وهى محملة بالآمال، فاستيقظت و معي شبكة الصبر؛ لتكون عونًا لي في الحياة، وقودًا لي في شدة الأيام.