القاهرية
العالم بين يديك

أزمة التعليم في مصر في عنق الوزراء

16

عيد علي

تكلمنا مرارًا وتكرارًا عن مشاكل التعليم المستمرة في مصر وكأن أبناءنا فئران تجارب للوزراء، كل منهم بسياسة والطالب هو الضحية، ومن ثم أجيال كاملة.

فأزمة التعليم في مصر ليست وليدة اليوم، بل هي تراكمات وزراء متعاقبين عليها. ألا توجد سياسة للتعليم يسير عليها الوزير بدلاً من أن يكون كل وزير هو من يضع سياسة تسير عليها الوزارة؟

فنجد مع كل تغيير لوزير التعليم يتم إلغاء أو تعديل سياسات وبرامج تم البدء بها من قبل الوزير السابق، حيث يجد كل وزير نفسه مضطرًا لوضع بصمته الخاصة عبر اقتراح تغييرات جذرية، وكأن النظام التعليمي بحاجة إلى إعادة تأسيس في كل مرة. وقد أدى هذا الأمر إلى تعطيل العديد من المشروعات التعليمية الطموحة التي تتطلب استمرارية لسنوات طويلة كي تؤتي ثمارها. وبدلاً من تحقيق تطوير تراكمي ومستدام، تجد السياسات التعليمية في مصر نفسها في دوامة من التجارب المتكررة التي تؤثر سلبًا على جودة التعليم واستقراره، ولا حياة لمن تنادي.

وعلى الرغم من الجهود المستمرة لتحسين النظام التعليمي، إلا أن تكرار تغيير السياسات التعليمية مع كل وزير جديد أصبح عائقًا أمام تحقيق تطور مستدام، إذ غالبًا ما يتم طرح خطط جديدة وإيقاف أخرى في كل مرة يتولى فيها وزير جديد منصبه، مما يؤدي إلى ارتباك واضطراب يؤثر على الطلاب والمعلمين والمجتمع ككل.

والحق أقول لكم إن تغيير السياسات بشكل متكرر يربك الطلاب ويؤثر سلبًا على استقرارهم النفسي والأكاديمي، إذ يجد الطالب نفسه بين متطلبات مختلفة كل بضع سنوات، سواء على مستوى المناهج أو طرق التقييم والامتحانات. بالإضافة إلى ذلك، يعاني المعلمون من صعوبة التكيف المستمر مع التغييرات، مما يتطلب منهم وقتًا وجهدًا كبيرين، دون توفير الدعم الكافي لتدريبهم على البرامج الجديدة أو تزويدهم بالوسائل التعليمية المناسبة. كما أن كثرة التغييرات تُفقد المعلمين الثقة في استمرارية أي برنامج تعليمي جديد، مما يؤثر على حماسهم وانخراطهم في التجديد.

وبهذا تعاني السياسة التعليمية في مصر من غياب رؤية طويلة المدى، حيث تفتقر إلى خطة استراتيجية واضحة تلتزم بها الحكومات المتعاقبة، بغض النظر عن تغيّر الوزراء. إن التعليم عملية تحتاج إلى سنوات من العمل المتواصل لتحقيق النتائج المرجوة، وبالتالي يجب أن تكون هناك رؤية مستقرة تراعي تطلعات مصر المستقبلية، وتواكب التغيرات العالمية في مجال التعليم. ولتحقيق هذا الهدف، يجب أن تتضمن الرؤية التنسيق بين الوزارات المختلفة مثل التعليم والتخطيط والمالية لضمان توفير الموارد المالية والبشرية اللازمة لتنفيذ هذه الخطة على المدى الطويل.

وقد يتحفظ البعض على لفظ “فئران تجارب” التي أشرنا إليها سابقًا، ولكن الواقع المرير يقول ذلك، حيث شهدت مصر خلال السنوات الأخيرة عدة تغييرات جذرية في سياسات التعليم، فبعض الوزراء ركزوا على تطوير التعليم الفني وتحسين بيئته لتوفير العمالة المؤهلة، بينما ركز آخرون على إدخال التكنولوجيا في التعليم وتحويل بعض المناهج إلى محتوى رقمي. كما تم إدخال نظام “البوكليت” في امتحانات الثانوية العامة، ثم تم تعديله لاحقًا، وأخيرًا ظهر النظام القائم على الفهم والمهارات بدلًا من الحفظ.

تلك التغييرات، على الرغم من أنها تحمل في طياتها رغبة في تحسين التعليم، إلا أن عدم استقرارها يعيق تحقيق أهدافها المرجوة. فمثلًا، إدخال التكنولوجيا في التعليم كان هدفًا جيدًا، لكنه لم يحقق نجاحًا كبيرًا نظرًا لعدم جاهزية البنية التحتية وتدريب المعلمين على الاستخدام الفعّال لتلك التكنولوجيا.

لم أتناول في مقالي هذا كذبة نجاح تخفيض الكثافات في جميع مدارس مصر، ولن أتناول فشل الوزارة في سد عجز المعلمين، والأعجب هو الكم الهائل من متابعي مكتب الوزير، ما هذا العدد مع عجز المعلمين؟ لن أخوض اليوم في هذه المشاكل، بل نقدم حلولًا لموضوعنا وهو تغيير سياسات التعليم مع كل وزير، لنتجاوز أزمة التعليم في مصر وتحقيق استقرار في السياسات التعليمية.

يجب أن تكون هناك خطة ثابتة تشمل أهدافًا واضحة للتعليم وتكون ملزمة بغض النظر عن تغيير الوزراء، بحيث يتم متابعة تنفيذها بشكل دوري دون التسرع في إلغائها أو تعديلها.

وأخيرًا، تظل أزمة التعليم في مصر تحديًا كبيرًا أمام تحقيق تطلعات الشعب نحو مستقبل أفضل. إن استقرار السياسات التعليمية واستدامة الجهود في هذا المجال يعدان ضرورة قصوى للتغلب على هذه الأزمة وبناء جيل جديد قادر على مواجهة تحديات العصر. لن يكون إصلاح التعليم ممكنًا إلا من خلال وضع رؤية طويلة المدى تلتزم بها كافة الجهات، مع تعزيز التعاون بين الحكومة والمجتمع لتحقيق هذا الهدف.

قد يعجبك ايضا
تعليقات