د. فرج العادلي
العقل: هو نور من الله تعالى شرف بهِ الإنسان على سائر الحيوان، والناس في هذا النور متفاوتون، فمنهم من له نورٌ مشرقٌ كالشمس الساطعة في رابعة النهار، فيرى أبعد ما يكون، يرى القريب والبعيد بوضوح، والقادم قبل أن يأتي بمسافات، ويرى الصغير والكبير، ويتوغل في التفاصيل، وهذا يكون في التوقعات، والتنبؤات، ورأيه غالبا يكون صوابا.
ومنهم من نور عقله كنور القمر، يرى من قريب ومن بعيد، لكن لا يكون البعيد واضحًا، ويغيب عنه بعض التفاصيل، وكذلك القريب، وتكون مسافته أقرب، وتعبه في الرؤية أشد وأصعب.
ومنهم من نوره كنور النجم، ومنهم من ليس له نور أبدًا، يتخبط في ظلمات الجهل، والوحل.
وهذا عجيب.
لكن الأعجب « أنه لا يوجود إنسان رضي عن ربه سبحانه إلا في عقله ! كما قال بعض السلف الصالح.
فترى كل واحدٍ كان يتمنى من ربه جسدًا أفضل من جسده، وشعرا أفضل من شعره، ومالًا ومعاشًا خيرًا من ماله ومعاشه، ومنصبًا خيرًا من منصبه و…»
لكنه رضي عن الله في عقله، فيظن أنه أعقل الناس، وأبصرهم بالأمور، وأقربهم للحكمة، وأبعدهم نظرُا، وأولاهم اتباعا،و…
بل يجعل من نفسه نقطة ارتكاز الكون، وأنه المقياس لغيره، فلو كان يسير بسيارة مثلا فإن من يكون أسرع منه متهورٌ في قيادته، ومن يمشي أبطأ منه رعديد ولا يُحسن القيادة، وتجد إطلاق العبارات من هذا القبيل سهلة ويسيرة خاصة على ألسنة (بعض) من يقودون الميكروباصات الذين يقفون في منتصف الشارع، وفي أي وقت وبدون أي مقدمات، وغيرهم كذلك، فتراه راضيًا عن نفسه، وعقله متصالحًا إلى حدٍ بعيد!
؛ لأنه لا يستطيع رؤية عقله ليحكم عليه؛ فهو يحكم على بدنه وسائر أموره بعقله، فبماذا سيرى عقله ؟! ليس له عقل آخر.
ومن هنا تأتي المصائب، والكوارث، إذ كل إنسان يتشبث برأيه، ويظن أنه على صوابٍ مطلق، وأنه هو المُحق، وأن الأمر أمامه كالفلق… وهو ليس كذلك.
لذا جعل لنا الإسلام شرعًا نحتكم إليه، وقواعد علمية نركن إليها، وعُرفا نعود إليه، وذوقًا عاما نتدثر به، ثم اجتهادات مبنية على قواعد علمية أو أمور تجريبية…
ومن خرج من كل هذا لعقله المجرد، فقد خرج عن إنسانيته.