القاهرية
العالم بين يديك

قشور البيض

12

بقلم المربّي نور الدّين الصّالحي من الهوارية تونس
متابعة عبدالله القطاري من تونس

كم أهوى تقشير البيض المسلوق …
صرت أستمتع وأسعد بذلك منذ ذلك اليوم الأسود الذي عدت فيه إلى قريتي لأجد والدي مكفنا بقماش أبيض …
قبلت جبينه من فوق الكفن لأودعه الوداع الأخير …
الكفن الأبيض حرمني من رؤية وجه أبي للمرة الأخيرة . لا أنا طلبت تعرية وجهه ولا المكفن مكنني من ذلك …
منذ ذلك الحين صرت أرى قشور البيض وكأنها أكفان تخفي عنا أجساما نعشقها ، فكرهتها كما كرهت الكفن الذي حرمني من رؤية وجه أبي …
منذ ذلك اليوم صرت متلهفا لإزالة القشور من على البيضة بكل قوة وحقد ، أكسرها ، أسحقها ، أفتتها بين السبابة والإبهام ، أنتقم منها ، لأحرر ما بداخلها …
وحين لحقت به والدتي ، استوعبت الدرس ، وأمرت مكفنة أمي أن تعري وجهها لتوديعها الوداع الأخير …
كانت جبهتها السمراء باردة ، برودتها وكأني بها لا تزال إلى الآن عالقة بشفتي لتذكرني بنصائحها :
إياك أن تأخذ متاع الغير .
حين تذكر شخصا بسوء فكأنك تأكل لحمه ميتا .
حافظ على صلاتك في وقتها فيوم القيامة يوم مرعب .
إياك والكذب ، إن الله يكره العبد الكذاب .
إياك والطمع ( الطميعة كان في ربي سبحانو ) …
( ما ينفعك كان فعلك وقرايتك ) …
نصائح تكتب بماء الذهب ، من إمرأة لم تدخل المدرسة ولا الكتاب يوما ، نصائح ظلت كالحرز نائمة في داخلي ، تستيقظ لترشدني كلما هممت بالخروج عن إطارها …
القبلة الأخيرة للأب أو الأم لا تموت ، بل تسكن داخلنا تتلون كالحرباء ، فمرة تظهر في شكل دموع حارة تخنقنا أو تتحرر فتنساب على الخد ، أو تنهيدة تخرج من أعماقنا مدوية محدثة لحنا حزينا ، تعجز آلات العالم الموسيقية عن محاكاته …
ليت كلماتي هذه يكون لها وقع في نفوس من لم يفقد والديه إلى الآن …

قد يعجبك ايضا
تعليقات