بقلم/ سامح بسيوني
لم يكن ينبعث من فتيل المصباح فوق الحائط غير شعاع خافت من الضوء٠
السكون يخيم على المكان، تخبط في الحياة؛ أناس يعبدون الأصنام، وآخرون ظنوا بأن الشمس هى الإله فعبدت من دون الله، وآخرون فقدوا العقول فعبدوا اللات والعزى، ومناة الأخرى، وآخرون اسودت وجوهم؛ لأنهم بشروا بالأنثى فيذهبون لوئدهن على الفور فى الحال؛ فاقدين معاني الإنسانية بلا أدنى ريب، وهم يسيرون فى ضلال وعميان، وآخرون غارقون فى لهوهم ولعبهم وسكرهم يعيشون في حياة اللهو واللعب مع القوانى والجاريات،
وآخرون يعيشون في عبودية تامة لا يعرفون إلا السمع، والطاعة العمياء لأسيادهم٠ وحالهم يقول سمعنا واطعنا في الحال٠
فمكة نائمة في أحضان صمت الجاهلية لا يقلق صمتها غير أنها مكتومة بنيران الجهل، والظلام٠
وتظل تتصاعد واهنة في أعياء الذل والهوان٠
في ظل هذا الهوان والتخبط فى الحياة؛ يمن الله على البشرية جمعاء بنور يسطع من مكة؛ معلنا سطوع فجر جديد؛ ليخرج البشر من ظلمات الجهل إلى نور الحق والضياء؛ فيخرج من بينهم رجل صالح سموه الصادق الأمين؛ فأحب العزلة عن لهوهم ولعبهم، فتركهم في واديهم يلعبون ويلهون، وصعد إلى جبل يقال له حراء؛ يتأمل في هذا الكون يريد أن يصل إلى الإله المعبود؛
فيأخذه التفكر والتدبر في آيات الله؛ فيتأمل في نجوم تتلألأ وقمر يسطع وجبال نصبت وأبل خلقت، وأرض سطحت،وسماء رفعت٠
وظل يتأمل ويعتبر من ليل داج ونهار ساج، وأرض ذات فجاج، وبحار ذات أمواج٠ كل هذا من أجل أن يصل إلى غايته ومراده٠
فبعد كل هذا التدبر في ليلة مباركة، والصادق الأمين غارق في تأملاته ينزل عليه الوحي الأمين على هيئته يقول له (اقرأ) ويرد عليه في خوف ووجف من شدة الخطب ما أنا بقارئ، والأمين جبريل يقول له (اقرأ باسم ربك الذي خلق)
فينزل من على الجبل مسرعا إلى بيته؛ مستغيثا بزوجته الوفية الحنون- خديجة بنت خويلد- التي تضع في فؤاده الطمأنينة،والسكينة وتذكره بمكارم أخلاقه وكيف يعين الناس على نوائب الدهر والزمان!
وبأنه يقر الضيف، ويصل الرحم، وتؤكد له بأن الذى رآه هو الناموس الاعظم الذي نزل على موسى وعيسى – عليهما السلام –
وفي التو والحال يعود إليه الوحي الأمين؛ يقول له أيها المتلحف المتوجل قم لأنذار؛ معلنا لله التكبير، ولثياب التطهير ولعبادة الأصنام الهجرة، والتهجير (يا أيها المدثر قم فأنذر وربك فكبر وثبابك فطهر والرجز فأهجر)
فيقوم النبى محمد يدعوا قومه إلى عبادة الله، فكان منهم المنكر الكافر، ومنهم المصدق المستسلم لله ولأوامره٠
فحرر البشرية من عبودية البشر إلى عبودية رب البشر٠
فجاء بالإسلام الذي حفظ للمرأة حقوقها، وحررها من الرق والاماء وحفظ لها النفس من الوئد والخسران٠
وايقظ البشرية من جحيم الربا، وحرم عليهم الخمر، وحفظ لهم الأنساب٠
ودعا إلى الحرية فحرر البشرية جمعاء من براثن العبودية،والأستعباد، وأرسى قواعد المواطنة لحقوق الإنسان، وأصبح الجميع متساوين في الحقوق والواجبات، وجعل معيار التقوى هى المفاضلة عند الله، فقال-صلى الله عليه وسلم -:( إن أكرمكم عند اتقاقكم)
ونشر الأمن والامان بين الناس، وشرعت الحدود لسعادة الإنسان والأبقاء في الحياة٠
فأهتم بالإنسان فحارب الفقر، ونهى عن الطغيان؛ فجعل فى مال الغني حق معلوم للسائل والمحروم٠
جاء النبى محمد-صلى الله عليه وسلم- فكان يأمر جيوشه بألا يقتلوا طفلا ولا شيخا، ولا امرأة ولا يقطعون شجرة، ونهاهم عن حرمة الدماء٠
جاء النبى الإنسان؛ من أجل أن يرسخ مكارم الأخلاق؛ فكان مثالا لصدق والأمانة، والحياء ٠ فكان كما وصفه ربه(وأنك لعلى خلق عظيم)
جاء النبى-صلى الله عليه وسلم- بالعفو والغفران، فيعود إلى مكة؛ فاتحا ومعه عشرة آلاف من الجيش، فيعفوا ويصفح، ويقول كلمته المشهورة :(اذهبوا فأنتم الطلقاء)
يأتي النبى محمد – صلى الله عليه وسلم-؛ ليعلم البشرية جمعاء كيف يكون المسئول حريصا على رعيته فينشر بينهم العدل، والمساواة فلم يفرق بينهم فى حد من الحدود بل يعلنها صراحة على الملأ فقال :(لو سرقت فاطمة بنت محمد لقطع محمد يدها)
ومع كونه النبي الموحي إلا أنه طبق مبدأ الشورى بينهم، فرفض الاستبداد فكان الرأى بينهم شورى بالاحسان، هكذا جاء الإسلام ٠
يأتي نبي الرحمة؛ فيدعوا إلى الرحمة بطير أوحيوان،
فيخبرنا بأن امرأة دخلت النار في هرة لا هى أطعمتها ولا هى تركتها تأكل من خشاش الأرض ٠
ورجل يدخل الجنة لأنه سقى كلب في الحال، ونهى أصحابه عن حرق النمل بالنار؛ (لا يحرق بالنار إلا رب النار) إنه نبى الرحمة نبى الإنسانية كان همه الإنسان ٠
يأتى محمد – صلى الله عليه وسلم-؛ ليوحد الجزيرة العربية تحت لواء واحد تحت حبل متين؛ فدعاهم إلى الاعتصام بعد التفرق والانقسام٠
جاء النبى محمد – صلى الله عليه وسلم -؛ فأقام الدولة التى بها مبدأ المواطنة فتساوت فيها الحقوق والواجبات٠
فأعطى لضعيف حقه واقتص من القوى وأجبره بأن يحترم الإنسان مهما كان٠
الرسول محمد – عليه الصلاة والسلام – هو من أعظم العظماء في التاريخ بشهادة الأعداء؛ فها هو مايكل هارت فى كتابه أعظم مائة في تاريخ العالم، يجعل النبى محمد – صلى الله عليه وسلم – على قائمة العظماء، وهو حق مشروع لنبينا محمد- صلى الله عليه وسلم – مع أن الكاتب ليس بمؤمن له، ولكنه وجد فيه الإنسان؛ الذي يمتاز بالرقة والرحمة والحنان، لم يظلم ولم يكن همه الطمع، والاستيلاء على الأموال، بل وجد فيه الايثار والإحسان؛
وجد فيه الأناقة فى الملبس، والأكل وحسن الأخلاق٠
وجد فيه كل معاني الإنسانية المتجسدة في الإنسان، فاستحق بلا منازع أن يكون على قائمة العظماء٠
وها هى الأمة الإسلامية تحتفل بذكرى مولد رسول الإنسانية – صلى الله عليه وسلم – فحتما عليها أن تعود إلى سنته وتعض عليها بالنواجذ؛ من أجل أن تخرج من كبوتها وتعود إلى ما كانت عليه من رفعة وعزة وعلو فى المكان، فلابد بأن تتماسك بهذا الحبل المتين، وأن نجعل من ذكرى مولده وقودا لنا فى شتى الحياة فنعيد قراءة سيرته؛ لنستخلص منها العبر والعظات، ويصبح النبى محمد- صلى الله عليه وسلم- القدوة الحسنة فى مناحي الحياة ( لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة)
إن الأمة الإسلامية الآن تحاك بالمصائب، ويشتد عليها الظلمات فى ليلة شديدة السواد، وتكالبت عليها الأمم فلم يتركوا حدب وصوب إلا وجاءوا منه؛ ليأكلوا فى الحال من خيراتها، وأصبحنا كغثاء السيل، تدرجه الرياح كما تشاء٠
فهل من أمل أن تعود الأمة إلى رشدها، وتستيقظ من غفلتها وثباتها الطويل!؟ معلنة تماسكها بسنته والسير على هديه؛
الأمل يحبو من بعيد ينتظر، شروقا جديدا؛ ليسطع إلينا من بعيد، كما سطعت مكة بنور نبيها محمد صلى الله عليه وسلم عندما اشتد عليها الظلام٠
فهل من أمل يا أمة الإسلام ؟