القاهرية
العالم بين يديك

بحرٌ وبشر

114

بقلم: عاليا عمرو أبو العزم

البحر هو أجمل ما خُلق في هذا العالم، يحمل في أعماقه حياةً لكثير من المخلوقات، كما يحمل في أعماقه أسرارًا لا تُحصى ولا تُعلم. ومن أحد أسراره أنه يشبهنا بشدة.

فأمواج البحر تصف العديد من طباعنا، كالغضب والقدرة على التأقلم والتعامل مع الناس، وما قد يقابلك في مشوار الحياة من عثرات. فأما عن غضب البحر، فهو يشبه غضبنا إلى حد كبير. مثلما أنك لا ترى ما تحت الأمواج الغاضبة، فأنت أيضًا لن تفكر بوضوح أثناء غضبك. وغضب البحر ما هو إلا نتيجة الرياح الشديدة التي تحركه، ونحن أيضًا نتعلم كيفية التأقلم حتى لو كانت الظروف فوضوية من حولنا. فحتى لو كان غضبك بسبب المنغصات الشديدة التي تشبه رياح البحر، فلتتعلم أن تتأقلم مع تلك الرياح لتصنع أمواجاً فاتنة، حتى تتوقف الرياح عن الهبوب ويبدأ بحرك بالوضوح والهدوء، وسترى ما تحت أمواجه. فعندما يهدأ البحر، يصبح كل أحمق قبطاناً.

وأما عن مشوارك في الحياة وما ستقابله فيها، فهو كالغوص في عمق البحر. لو أردت استكشاف أعماقه عليك مكافحة أمواجه أولاً، وأن تضع في الحسبان أن هذه بداية أي مشوار: أمواج عالية، ثم يسكن الوضع مع الوقت. كما أنك ستواجه الكثير من الإحباط والمشتتات، والتي ستكون أغلبها من الناس. في هذه الحالة، أفضل حل هو التجاهل تماماً، كما تتجاهل الحصى الصغيرة والطحالب التي تبطئ من خطاك عند نزول البحر.

وأما عن عمق البحر، فهو كبعض الناس عميق حتى أصبحت زرقته غامقة، يحمل أسرارًا لا يعلم بها إلا الله، وهذا ما هو إلا طبيعة بشرية. أظن أن جميعنا يعلم أن البحر لا يزال لغزاً لم نكتشفه كاملاً، والحقيقة كذلك مع كل إنسان وذاته. فمع مرور الوقت والسنين، ستظل تكتشف جوانب خفية لنفسك حتى آخر أنفاسك، مما سيزيد عمقك وحكمتك، حتى لو لم يكن ذلك طبعك منذ نعومة أظافرك.

لكن إن أردت أن تكتشف أعماقك، فعليك بالعلم. فمتى ما تعلمت، ستكتشف المزيد، تماماً كالغوص؛ لو أردت الغوص لأعماق المحيط، عليك أن تتعلم السباحة أولاً، وألا تتوقف عن ممارستها وإلا غرقت.

أضيف إلى صفات البحر “مسؤوليته”. فهو مصدر الحياة لكثير من المخلوقات كما أنه منزلهم، وهنا تقع عليه مسؤولية الاحتواء والحماية. ونتذكر هنا أن الله لا يكلف نفسًا إلا وسعها، وأنه يجب على كل شخص تأدية واجباته وتحمل مسؤوليته تجاه أسرته حتى لا تهلك أسماك بحره الصغيرة.

في النهاية، سيظل البحر دائمًا رمزًا للجمال والهدوء، وسنظل نذهب إليه لنشكو همومنا ونستمتع بنغمات أمواجه ونسيمه العليل، لأن البحر تمامًا يشبه البشر.

قد يعجبك ايضا
تعليقات