د. طارق درويش
تعدّ تقنية السيكودراما أحد أهمّ التقنيات الخاصّة بالدّعم النّفسي التي تهدف إلى تقديم نوعٍ من العلاج النفسيّ والذي يختلف عن أنواع العلاجات النفسية الأخرى، فقد أثبتت العديد من الدراسات النفسية عبر الزمن نجاح هذا الأسلوب مع عددٍ من الاضطرابات:
كالتأتأة الاضطرابات السلوكية مع الأطفال الجانحين الأطفال الذين يعانون من صدمة نفسية الأطفال الذين يعانون من الإعاقة الذهنية، المدمنين الأطفال المغتصبين، كأسلوبٍ للعلاج الأسريّ السلوكيّ. ومن خلال هذا المقال سنسلّط الضوء على أبرز معالم هذه الفنية العلاجية؛
العلاج النفسيّ بالسيكودراما Psychodrama.
**نشأة العلاج النفسي بالسيكودراما (Psychodrama):**
ترجع بدايات استخدام السيكودراما إلى ما يقارب 80 عامًا مضت (أي منذ عام 1911م) في فيينا على يد “جاكوب ليفي مورينو Jacob Levy Moreno”، حيث نشأت السيكودراما من تجارب “مورينو Moreno” في المسرح وبالرّغم من كونه طبيبًا نفسيًا إلّا أنّه كان يحبّ المسرح، ولكن تعامله معه لم يكن كأيّ مسرحٍ تقليديّ بل اعتمد على نموذج من التّمثيل الهادف إلى اثارة الابداع عند الممثلّين خاصّةً أنّ القصّة المسرحية كانت تبتكر بشكلٍ عفويّ دون تحضيرٍ مسبق انطلاقًا من المواضيع الآنية كما اكتشف “مورينو Moreno” أنّه عند السّماح للأطفال بالتعبير التلقائيّ عن مشكلاتهم فإنّهم يحقّقون نتائج علاجية لا بأس بها.
مفهوم السيكودراما (Psychodrama):
*يعرّف “لوتز Lotze” العلاج بالسيكودراما بلفظة منقسمة إلى شطرين:
Psycho: وتعني النّفس، Drama: وتعني الفعل أو الحركة أو النّشاط وفي معناها الإجماليّ تعني: حركة النّفس، وهي نوع من أنواع العلاجات النفسية التي تستخدم تقنيات المسرح وصولًا إلى حقيقة ديناميكيات شخصية الفرد المضطّرب.
* لذلك يعتمد العلاج بالسيكودراما على ممارسة الأدوار وتمثيلها داخل مجموعاتٍ من خلال تشجيع المرضى على ممارسة الأدوار المهمّة( كدور الأب، أو الإبن …) حيث يستطيع المريض أن يكشف عن مشكلاته الشخصية وأخطائه في عمليات التفاعل الحياتي اليومي مع الآخرين.
**عناصر العلاج بالسيكودراما (Psychodrama)**
يعتمد العلاج بالسيكودراما على خمسة عناصر أساسية تشكّل معًا التنظيم الضروريّ لعناصر العلاج بأسلوب السيكودراما، ويمكن تصنيفها كما يلي:
1.الجماعة The Group: وتعرف بالجماعة العلاجية، وهي العنصر الجوهريّ للعلاج بالسيكودراما لأنّه بمقدورها تغيير سلوك أفراد الجماعة من خلال التّفاعل المتبادل بين الأعضاء .1
2. بطل الرواية The Protagonist:
وهو العميل نفسه الذي تتمركز حوله أحداث المسرحية النفسية، ويقوم بتمثيل واقعٍ حدث له من أجل إيجاد مشكلةٍ ما، وهو مركز الحدث السيكودرامي.
3.الموجّه The Director:
وهو نفسه المعالج النفسيّ وظيفته تكمن في اختيار الممثّلين ووضع السيناريو واختيار المكان المناسب للعلاج مع المحافظة على كامل السريّة عن ما يحدث في جلسة العلاج، كما تكمن وظيفته في ملاحظة التّواصل الّلفظي وغير الّلفظي لأفراد المجموعة والعميل بشكلٍ خاصّ.
4. المعالجون المساعدون أو الأنوات المساعدة Auxiliary Egos:
وهي امتدادٌ لدور الموجّه في موقف العلاج ووظيفتهم بشكلٍ عام هي تسيير عملية عرض المشكلة، وهي في العادة مكلَّفة بدورٍ علاجيّ منوط بها.
5. تنظيم معيّن من الطرق والفنيات Method & Techniques الملائمة لمتطلّبات الموقف: ومن بين هذه الفنيات العلاجية نجد:
(قلب الأدوار Role Reversal، البديل The Double، مناجاة النفس The Soliloquy، الصديق الحميم The Confidant، المرآة The Mirror)
**أهمية العلاج النفسي بالسيكودراما Psychodram**
تساعد على إعادة مواجهة المواقف القديمة وفهمها بشكلٍ ملائم، كما تساعد على مواجهة المواقف الجديدة التي تنشأ من إعادة تمثيل المواقف الدرامية بمساعدة الأنوات المساعدة ولهذه الفائدة أهمية كبيرة في تحرير الفرد من الانفعالات المكبوتة والدوافع الكابتة لها وكذا تساعد على تنمية المهارات لديه وتنمية العلاقات البين_شخصية. 4
السيكودراما تعتمد على فلسفة الّلحظة، على الإيمان العميق جدًّا بالتلقائية والإبداع عند المشاركين فكلّ فرد يتمكّن من إسقاط عالمه الداخليّ على العالم المحيط به خارجيًا، كما تسمح السيكودراما بتطوّرٍ إنسانيّ فائق المستوى ومستمرّ وإحساسٍ حقيقيّ لصيق بالحياة الواقعية .
**مجالات استخدام السيكودراما Psychodram**
يمكن حصر مجالات استخدام السيكودراما في المجالات التالية:
1. السيكودراما بوصفها طريقة من طرق العلاج النفسيّ: كتقنية علاجية للاضطّرابات النفسية والانفعالية والسلوكية …
2. السيكودراما بوصفها وسيلة علاجٍ اجتماعيّ:
باعتبارها طريقة لتشخيص المشكلات السلوكية في المجتمع وتأثيرها على الفرد من جهة ومن جهةٍ أخرى معرفة الدّور الاجتماعي للفرد داخل الجماعة.
3. السيكودراما باعتبارها وسيلة من وسائل التّدريب:
من خلال تدريبه على حلّ صراعاته والمواقف الاجتماعية التي تواجهه .
بعض الدّراسات النّفسية التي أثبتت نجاح العلاج النفسي بالسيكودراما Psychodram مع بعض الاضطّرابات كنموذج:
أثبتت دراسة باريت (Barrett 1986) لمعرفة فاعلية السيكودراما القائمة على لعب الدّور لكلّ من التوافق الاجتماعي وصورة الذّات لدى المراهقين الصمّ وتوصّلت الدراسة إلى تحسين صورة الذات وزيادة التوافق الاجتماعيّ وانخفاض العزلة الاجتماعية لدى أفراد المجموعة التجريبية بالمقارنة مع أفراد المجموعة الضّابطة .
كما هدفت دراسة عبد الفتّاح مطر (2002) للتعرّف على فاعلية برنامج قائم على السيكودراما في تنمية بعض المهارات الاجتماعية (التعاون_الاستقلالية_الصداقة) لدى الأطفال الصمّ، حيث أسفرت نتائج الدراسة على فاعلية البرنامج القائم على السيكودراما واستمرارية فاعليته في تحسين المهارات الاجتماعية ( التعاون_الاستقلالية_الصداقة) لدى الأطفال الصمّ في المجموعة التجريبية.
كما هدفت دراسة قام بها أمجد عزات جمعة (2016) إلى التعرّف على فعالية برنامج إرشادي قائم على السيكودراما في التّخفيف من حدّة بعض المشكلات السلوكية عند طلّاب المرحلة الإعدادية، على عيّنة قوامها (24 طالبًا) أسفرت نتائج الدّراسة إلى وجود فروق ذات دلالة إحصائية بين أفراد المجموعتين التجريبية والضّابطة في حدّة المشكلات السلوكية بعد تطبيق البرنامج السيكودرامي لصالح أفراد المجموعة التجريبية ووجود فروق ذات دلالة إحصائية بين أفراد المجموعة التجريبية في حدّة المشكلات السلوكية بين التطبيق القبليّ والبعديّ لقياس المشكلات السلوكية وعدم وجود فروق ذات دلالة إحصائية بين أفراد المجموعة التجريبية في حدّة المشكلات السلوكية بين التطبيق البعديّ والتتبعيّ بعد شهرين لمقياس المشكلات السلوكية.
في الأخير، يمكن الإشارة إلى أنّ تقنية السيكودراما العلاجية تُستخدم لتنمية سلوكيات الأفراد الايجابية لتقبّل الذّات والآخر كما أنّها تساهم في زيادة الاستبصار الداخلي للإنسان لذاته وتوصّله لعمق التفكير والتدبّر، وهذا يمكّنه من الاستجابة بشكلٍ أكثر توافقًا وتكيّفًا