القاهرية
العالم بين يديك

اصل أعمال القلوب

34

محمود سعيد برغش
أصل أعمال القلوب كلها الصّدق، وأضدادها من الرّياء والعجب والكبر والفخر والخيلاء والبطر والأشر والعجز والكسل والجبن والمهانة وغيرها
أصلها الكذب،

فكل عمل صالح ظاهر أو باطن فمنشؤه الصدق.‏ وكل عمل فاسد ظاهر أو باطن فمنشؤه الكذب‏.‏

والله -تعالى- يعاقب الكذّاب بأن يقعده ويثبطه عن مصالحه ومنافعه ويثيب الصّادق بأن يوفقه للقيام بمصالح دنياه وآخرته،

فما استجلبت مصالح الدنيا والآخرة بمثل الصّدق، ولا مفاسدهما ومضارهما بمثل الكذب‏.‏*

قال -تعالى-‏:‏ ‏ *{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِين* ‏‏[التوبة‏:‏ ‏119‏]،

وقال -تعالى-:‏ ‏ *{هَذَا يَوْمُ يَنْفَعُ الصَّادِقِينَ صِدْقُهُمْ}* ‏‏[المائدة‏:‏‏ ‏119‏]، *

وقال:‏ ‏ *{فَإِذَا عَزَمَ الْأَمْرُ فَلَوْ صَدَقُوا اللَّهَ لَكَانَ خَيْرًا لَهُمْ}*

*والكذب أساس الفجور كما قال النبي -صلى الله عليه وسلم-‏:‏* *«و‏إن الكذب يهدي إلى الفجور وإن الفجور يهدي إلى النار‏ وإنَّ الرَّجُلَ لَيَكْذِبُ حتَّى يُكْتَبَ عندَ اللهِ كذّابا..

.كان مالك بن دينار منهمكاً في ملذات الحياة والوقوع في المعاصي وشرب الخمر، ثم اشتاق أن يتزوّج، فتزوّج وولدت له بنتاً أسماها فاطمة، وكان قلبه قد تعلّق بفاطمة بشكلٍ كبيرٍ، وكلّما كبرت كان الإيمان يزداد في قلبه، فكانت في إحدى المرات -ولم تكمل السنتين- رأته يحمل كوباً من الخمر فأزاحته بيدها، وكأنها رسالةٌ من الله عز وجل، واستمرت الأوضاع كذلك حتى أكملت فاطمة ثلاثة أعوامٍ من عمرها، فماتت، فازداد وضع مالك سوءاً ورجع إلى معصيته وأكثر مما كان عليه.

في ليلةٍ من الليالي أقنع الشيطان مالكاً بأن يسكر سكرةً لم يسكر مثلها قبلاً، فشرب حتى غاب عن الوعي وأخذت تراوده الأحلام، حتى رأى أنه في يوم القيامة، وتحوّلت المياه إلى نارٍ، وأظلمت الشمس، واجتمع الناس للحساب، وكان المنادي ينادي كلٌّ بإسمه ليُعرَض على الجبار، ثم جاء دور مالكٍ فنادى عليه المنادي وشعر مالكٌ بأن الناس قد اختفت من حوله، ثم جرى ثعباناً ضخماً باتجاهه فاتحاً فمه، فركض مالكٌ، فرأى رجلاً ضعيفاً فطلب منه المساعدة، إلّا أنَّ العجوز أخبره بأنه ضعيفٌ ولا يمكنه المساعدة ولكن يمكنه الهرب من ناحيةٍ معينةٍ.

ركض مالك من تلك الناحية إلّا أنه وجد النار أمامه، فعاد باتجاه الرجل العجوز وسأله مرةً أخرى المساعدة، فأخبره الرجل العجوز بالهرب باتجاه الجبل، وعند اقترابه من الجبل كانت هناك مجموعةٌ من الأطفال فكانوا ينادون على فاطمة بأنْ اركضي وأدركي أباك، فأخذت فاطمة أباها بيدها اليمنى، وضربت الثعبان بيدها اليسار، ثم جلست في حجره كما كانت تجلس في الدنيا، وقالت له “ألم يأن للذين آمنوا أن تخشع قلوبهم”، ووضحّت له بأن الثعبان هو العمل السيئ والرجل العجوز هو العمل الصالح، فاستيقظ مالكاً من نومه فزعاً وقرر التوبة واغتسل وذهب للصلاة، وتاب توبةً نصوحاً.

قد يعجبك ايضا
تعليقات