انتصار عمار
لا أعلم إلى أين وجهتي؟ وقد ضللت طريقي، وأي درب أسلك؟ وكل الدروب شائكة المسلك، ضبابية المعالم، لا شارة فيها لمار، غاب فيها ضوء القمر الذي كان يهتدي به الضال.
ما ضللت طريقي وأنا معك، فلقد كنت أحيا بك، أحيا وصوت أنفاسك، تعاهدنا على البقاء سويًا، نثرنا بذور هوانا أماني بأفق السماء، حييت لأجلك، حييت بأمل أن يكتمل عمر هوانا، كانت أجمل أيام عمري معك.
أين أعمدة الإنارة؟ أين ضوء المصابيح؛ والقناديل؟ أين عينيك التي كانت تهديني السبيل؟
لم تخليت عني؟ لم أفلت يدك من يدي؟وتركتني في مفترق الطرق، بلا أنيس ولا جليس، وأضعتني الطريق،وبلا خارطة تركتني، لا صديق ولا رفيق.
أصبحت لا أدري إلى أين المفر؟ وإلى أين يأخذني المصير؟ فريسة الضياع الذي يرتدي قناعًا مخيفًا، يثير ذعري، ويطلق صرخات مخاوفي، يطاردني كما ظلي كلما حاولت الهروب منه ، كلما هرولت.
كان يومًا رائعًا ، اصطحبتني فيه ونزهة جميلة، نحاكي فيها الطبيعة، ونغازل جمالها، ونسابق أشعة الشمس، ونقبل ضوءها، نلهو ونمرح بين أغصان الشجر.
وإذ بك فجأة تُلقي بي على قارعة الطريق، بعدما أركبتني عربة الأحلام، وجُبت بي مدن الأماني، محطمة، تبكي حالي رمال الصحاري، وتحتضن وجعي هضابها.
تركتني وصحراؤك المترامية، وسيل من الدموع يغرق كثبانها الرملية.
وكأن الطرق كلها منفتحة، ممهدة، تبدو وكأنها خالية تمامًا من العقبات، لكن هذا هو ظاهرها، أما باطنها فهو مخيف، موحش، قاسي، يزلزل داخلي براكين الخوف التي تندلع من فوهة أفكاري.
وأي اتجاه أسلك؟ فالجبال من أمامي، والبحر من خلفي، إلى أين أمضي؟ وكيف ؟
أأصعد الجبال، وأتسلقها رغم علوها، وارتفاعها الشاهق؟ وماذا وراء ستار الجبال إن فعلت؟ أي مجهول يختبئ لي خلفها؟
وكأني لم أضل طريقي فقط، وإنما أصارع المجهول، وأحارب الخوف، والضياع، أم أنني أسلك اتجاه البحر، وألق بنفسي داخل أمواجه المتلاطمة، وأنا لا أجيد العوم؟
لقد أصبحت بلا حراك، مدمرة قوايّ، مخدرة أفكاري، مغيب عقلي، مسلوبة إرادتي، مبتورة أحلامي، إلا من شئ واحد؛ ألا وهو” كيف لي أن أنجو؟ ومن يأتيني بطوق النجاة؟”