د/ زمزم حسن
كانت الخيزران جارية يمنية الأصل اشتراها الخليفة العباسي المهدي، ثم أعتقها وتزوجها. بفضل زواجها من المهدي، أصبحت الخيزران والدة اثنين من أبرز خلفاء الدولة العباسية، وهما هارون الرشيد وموسى الهادي. تعلمت الخيزران في بيت الخلافة، واكتسبت علمًا في القرآن والحديث، حتى أنها روت حديثًا عن زوجها المهدي مسندًا إلى النبي محمد.
نشأت الخيزران
جارية سبيّة قد جاءوا بها من اليمن. كانت الخيزران بنت عطاء جُرشية، من مكان يُقال له جرش من مخلاف اليمن. وعادة ما يهتم النخاسون بالجواري اللواتي عندهم من تعليم وتثقيف ليعلو ثمنهن ويتضاعف سعرهن عن باقي الجواري، فكان النخاس يُعلِّم الجارية الشعر والأدب وعلوم الشريعة والحديث الشريف والغناء والرقص وحتى العزف على الآلات الموسيقية. فالخيزران كانت من الجواري اللواتي يقرضن الشعر ولها أشعار محفوظة على قلّتها. قد تعلّمت الأدب وقرض الشعر وإنشاده، ولها علم بعلوم الشريعة والدين، ومعرفة واسعة بتاريخ العرب والرسل والملوك، وتحفظ كثيرًا من آداب العرب وأيامهم وما كان من أمرهم منذ الجاهلية وإلى ما بعد الإسلام.
كانت نحيلة، وقد رأى ذلك الخليفة المهدي حين أراد شراءها. طولها يميل إلى الاعتدال وكانت جميلة حسنة الوجه والصورة، ذكية المنطق وحاضرة البديهة. يتجلى ذكاؤها من خلال تصرفاتها مع الخليفة المهدي وخاصته وعموم حاشية القصر، فقد كانت كلمتها نافذة في كل ما تريد، فلم يكن يمنعها شيء عن تحقيق ما تريد، ولكن ليس بالإكراه واستغلال المنصب، بل بالسياسة والحنكة وحسن التدبير وانتقاء الكلام المناسب في الموقف والمكان المناسب.
وكان زواج الخيزران بنت عطاء من الخليفة المهدي بعد سبيها في اليمن. انتقلت الخيزران مع النخاس الذي كان يمتلكها إلى بغداد عاصمة الخلافة العباسية آنذاك نظرًا لكونها محط الرحال ومجتمع صفوة الدولة وأثريائها وتجارها والوزراء والقادة أصحاب المناصب الرفيعة في دولة الخلافة. فمر بها موكب الخليفة المهدي والد هارون الرشيد، فرآها وأعجبته، غير أنه نظر إلى ساقيها فوجدهما نحيلتين -وكان الناس عند شراء الجارية يطلعون عليها ويقلبونها عند الشراء؛ فللأمة أحوال تختلف عن الحرة- فلم يعجبه ذلك، ولكنها استطاعت إقناعه ببيانها وحسن منطقها أن ذلك لا يشكل عيبًا. فأعجبه منها ما قالت، فأمر بشرائها وحملها إلى قصر الخلافة، وهناك أعتقها وتزوجها حتى تكون زوجة لا أمة من ملك اليمين.
صارت من أقرب النساء إلى الخليفة المهدي بعد الزواج، وولدت له هارون المعروف بالرشيد وهو الخليفة العباسي الأشهر بين خلفاء الدولة المتطاولة الأمد، وموسى الذي سمي بالهادي عند توليه الخلافة. وبعد إنجابها لموسى وهارون صارت أقرب إلى الخليفة من أي وقت مضى، وصار لها تصرف بما تشاء من أمور الخلافة الداخلية ولكن بحدود معروفة للنساء، وكانت كلمتها في القصر مثل كلمة زوجها الخليفة المهدي.
ذكر المؤرخون أنه لم تلد جارية خليفتين في التاريخ سوى ولادة بنت العباس العبسية زوجة عبد الملك بن مروان التي ولدت له الوليد وسليمان وكلاهما ولي الخلافة، وكذلك زوجة الوليد بن عبد الملك بن مروان شافهر بنت فيروز بن يزدجرد، التي ولدت له يزيد وإبراهيم وكلاهما صار خليفة. الثالثة هي الخيزران زوجة المهدي التي ولدت موسى وهارون وصارا خليفتين أيضًا. فكان زوجها المهدي وأبناؤها الهادي وهارون الرشيد خلفاء للدولة العباسية. أما الرابعة فهي تركان خاتون زوجة جلال الدولة ملكشاه، فقد ولدت له ولدين، الأول هو محمد الملقب بغياث الدنيا، والثاني أحمد الملقب بسنجر، وتولى الاثنان حكم الدولة السلجوقية خلفًا لوالدهم ملكشاه بن ألب أرسلان.
في شهر رمضان من سنة 161 هـ، قامت الخيزران بزيارة مكة، واشترت دارًا وأضافتها إلى المسجد الحرام. كما كانت ذات تأثير قوي في أمور الحكم، حيث دعمت العلماء وأغدقت عليهم بالعطايا والهبات.
توفيت الخيزران في جمادى الآخرة من عام 173 هـ، ودفنت في بغداد بمنطقة الأعظمية، حيث سميت المقبرة التي دفنت فيها باسمها، مقبرة الخيزران. في يوم وفاتها توفي أيضًا الإمام اللغوي الخليل بن أحمد الفراهيدي في البصرة.