احمد محي
نشأت في الآونة الأخيرة اختلافات واسعة بين الناس حول مسألة ما إذا كان يُلزم الرجل بعلاج زوجته المريضة أم لا. وقد تباينت الآراء، حيث ذهب البعض إلى أنه غير ملزم بذلك، بينما أيد آخرون ضرورة التزامه، وكان هناك أيضًا من سخر من المسألة. دعونا نناقش هذه القضية موضحين بعض الإشكالات التي قد تطرأ على البعض منا.
أولًا: ما هو الشرع؟
الشرع هو مجموع الأوامر والنواهي من المحللات والمحرمات التي جاءت في الكتاب والسنة، واتفق عليها السلف والأمة والعلماء. هذا هو تعريف الشرع، فلندخل في التفاصيل.
في الشرع، ما هو حلال يشمل أكل أي شيء باستثناء لحم الخنزير، وما هو حرام يتضمن شرب الخمر. وإن كان لديك رأي آخر، فلا تكمل المقال.
أنزل الله كتابه لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم ليكون هداية للناس وضابطًا للحياة على جميع مستوياتها الاجتماعية والاقتصادية والسياسية وغيرها.
حدد الله عناوين عامة تحافظ على شكل المجتمع وكيانه، وفسر العلماء هذه العناوين بتفاصيل دقيقة مستمدة من أفعال النبي والصحابة، وكتبوها في كتبهم ليصبح المجتمع الذي يطبق هذه الأحكام هو المجتمع المسلم. بهذه الطريقة، تصلح حياة الناس ويكونون مطبقين للشرع.
وترك الله بعض الأمور في أصلها مرنة، يعلم الله أنها قد تختلف من مجتمع لآخر بحسب عادات الناس، كي لا يشق عليهم في العبادة. فمثلًا، ذكر الله الوفاء بالعقود وضرورة كتابتها، لكنه لم يفرض صيغة محددة لكتابة العقود مثل كتابة “بسم الله الرحمن الرحيم” أو غيرها. المهم هو كتابة العقد نفسه، أما التفاصيل الداخلية فقد تختلف من عقد لآخر ولا يشترط فيها نص معين.
مثال آخر:
الغسالة التي تشتريها تأتي معها كتيب تعليمات للتشغيل الصحيح ومواعيد الصيانة والأماكن التي يجب تجنب وضع الغسالة بجانبها. مثلًا، لا تضع الغسالة بجانب البوتاجاز، ولكن لم يشترط عليك إخراجها من المطبخ. أنت حر في وضعها في المطبخ، الحمام، الصالة، أو أي مكان تراه مناسبًا لك، ومعك الكتيب ليرشدك كيفية التشغيل، لكنه لم يخبرك عن أنسب موعد للتشغيل كي لا تزعج جيرانك مثلًا.
وهكذا حال الشرع.
لذلك، العلماء والأمة درسوا كتاب الله وكتبوا ما فيه من حلال وحرام وإشكالات وشبهات وضبطوه ضبطًا جيدًا. ولكن كل يوم تظهر قضايا جديدة. فمثلًا، قد يأتي أحد المسلمين بمشكلة إلى الإمام ويقول: “زوجتي مريضة ولا أملك المال الكافي لعلاجها. هل يجب عليَّ علاجها أم أن والدها يعالجها؟”.
ومعنى “يجب” هنا: هل إذا لم أسعَ في علاجها سأكون مذنبًا؟ عندها يراجع العالم ما تعلمه ودرسه في الشرع، ويجد أن هذه المسألة متروكة، حيث لم يأتِ حديث أو آية تلزم الزوج بعلاج زوجته أو تجعله يأثم إذا لم ينفق عليها لعلاجها. فيقول له: “لا يجب عليك”.
وكذلك الحال في الرضاعة:
فإذا كانت الزوجة ضعيفة البنية، والإسلام قد ألزمها بالرضاعة، فكانت ستأثم لأنها لم ترضع ابنها. أو إذا أرادت المرأة أن تجعل ابنها يذهب ليتربى في البادية مع مرضعة، كما كان حال رسول الله صلى الله عليه وسلم، لكانت ستأثم لأنها لم ترضعه. لذلك، الشرع لم يلزم المرأة بالرضاعة.
نفس الأمر ينطبق على حالات المرض. فلو افترضنا أن الزوجة تعمل في شركة وأصيبت بإصابة عمل أو بالسرطان، ولديها تأمين يغطي نفقات العلاج، وكان الشرع قد ألزم الرجل بالنفقة، وزوج هذه المرأة فقير أو دخله لا يتحمل تكاليف العلاج، لهلك الرجل. لذا، الشرع لم يلزم الزوج بعلاج زوجته، لكن إن فعل ذلك فهو من باب العشرة بالمعروف والإنفاق على مسلم مريض، وهو ما يُعتبر تحت باب الصدقة وكسب الحسنات. لكن إذا ترك ذلك لعذر، فلا إثم عليه.
أرجو أن تكون المسألة قد وضحت، وهذا ما قد أشكل في الآونة الأخيرة. هذا من باب فهمي للنصوص وليس إلزامًا على أحد.