بقلم د. عيد علي
يئن كل بيت في مصر به مريض من أزمة عدم تواجد الدواء، والبديل في معظم صيدليات مصر ليس بنفس كفاءة الدواء الذي وصفه الطبيب. فما الحل؟
كيف بكم وأنتم تتجولون بين صيدليات المدن والقرى، بل والعاصمة نفسها، من أجل دواء خافض للحرارة لطفل، وتبوء كل محاولاتكم بالفشل؟ بل الأمر الأسوأ أن يقول لك الصيدلي: “أمرك لله، استخدم كمادات المياه الباردة أو الخل.” هل وصلنا إلى هذه الدرجة؟
إذا كان هذا حال خافض الحرارة، فما حال مرضى السكر والضغط و… إلخ؟
هل تعلم أن الحصول على المخدرات أسهل من الحصول على الأنسولين؟ وقِس على ذلك معظم أنواع الأدوية.
من المتسبب الرئيسي في هذه الأزمة؟ هل هي “موضة” الأزمات مثل السكر والبصل والثوم، إن كنتم تتذكرون، وفشل جميع المحللين في معرفة السبب؟
في الآونة الأخيرة، تعيش مصر أزمة حادة تتمثل في نقص العديد من الأدوية الأساسية، ما أثار قلقًا واسعًا بين المواطنين والمختصين في قطاع الصحة. هذا النقص يشكل تحديًا كبيرًا للنظام الصحي، إذ يعرض حياة المرضى للخطر ويزيد من معاناتهم اليومية.
وعندما استفسرنا عن أسباب الأزمة، تضاربت الأقوال بين:
قيل إن أحد الأسباب الجوهرية وراء نقص الأدوية هو أزمة العملة الصعبة، حيث تعتمد مصر بشكل كبير على استيراد الأدوية والمستلزمات الطبية. ومع نقص الدولار، أصبحت عمليات الاستيراد تواجه صعوبات متزايدة. يا الله، كيف بدولة في ثقل مصر لا تستطيع حتى اليوم أن توفر مصانع تنتج هذه المادة الفعالة للدواء وتكتفي بذاتها بدلًا من الاستيراد؟ هل عجزت النساء أن تلدن عالمًا في هذا المجال؟ أم أنه حكر على الأجانب فقط؟
يعتمد البعض على تفسير أن السبب هو ارتفاع تكلفة المواد الخام، حيث تعتمد صناعة الأدوية في مصر على استيراد معظم المواد الخام. ومع التضخم العالمي وارتفاع تكاليف الشحن، انخفضت القدرة الإنتاجية للمصانع المحلية. لو صدق مثل هذا التحليل، يكون الأمر كارثيًا بكل المقاييس. إلى متى نستجدي دواءنا؟
هناك تفسير ثالث يتعلق بالبيروقراطية والتحديات الإدارية، حيث تعاني شركات الأدوية من عقبات بيروقراطية تعرقل إصدار التراخيص اللازمة للإنتاج والتوزيع، مما يزيد من تفاقم الأزمة.
أما التفسير الرابع فهو كالعادة الاحتكار والجشع، حيث هناك بعض الشركات والموردين الذين يستغلون الوضع لتحقيق مكاسب شخصية، مما يضاعف من حدة الأزمة. وهذا ما شاهدناه في جميع الأزمات السابقة بل والقادمة.
والسؤال الذي يطرح نفسه: ألم تفكر وزارة الصحة بمستشاريها الذين يحصلون على مرتبات باهظة في تأثير الأزمة على المرضى؟ المرضى في مصر، يا سادة، وخاصة أصحاب الأمراض المزمنة كالسكري وارتفاع ضغط الدم، يعانون بشكل مباشر من هذه الأزمة. فهم يجدون صعوبة في الحصول على الأدوية الضرورية لعلاجهم، مما يعرض حياتهم لخطر كبير.
وعلى الرغم من جهود الحكومة المصرية لزيادة الإنتاج المحلي ودعم شركات الأدوية، إلا أن الأزمة لا تزال مستمرة. وهناك دعوات لتبني حلول مستدامة تشمل تطوير صناعة الأدوية المحلية وتقليل الاعتماد على الاستيراد.
وعندما لم تجد الحكومة الحل، كما هو معتاد، يبدأ هنا الدور المجتمعي والمنظمات الأهلية في مواجهة هذه الأزمة، حيث لعبت المنظمات الأهلية والجمعيات الخيرية دورًا كبيرًا في توفير بعض الأدوية من خلال جمع التبرعات وشراء الأدوية من الخارج. ولكن للأسف، لن يصل الدعم لكل مريض في مصر.
والآن لنفكر خارج الصندوق ونطالب بتعزيز الإنتاج المحلي ودعم مصانع الأدوية المحلية بتوفير المواد الخام بأسعار مناسبة وتسريع إصدار التراخيص.
ولا بد أن تقوم الحكومة بإصلاحات هيكلية تقلل من البيروقراطية وتحسن إدارة سلسلة التوريد لضمان وصول الأدوية إلى جميع المناطق.
ولا نتغافل عن التعاون الدولي، ولا سيما التعاون مع الدول المنتجة للدواء لتبادل الخبرات والتقنيات في مجال تصنيع الأدوية.
كذلك يجب تفعيل دعم البحث والتطوير، والاستثمار في البحث العلمي لإيجاد بدائل محلية للأدوية المستوردة.
إذا تم تنفيذ هذه الحلول بفعالية، يمكن لمصر تجاوز أزمة نقص الأدوية وتحقيق استقرار في القطاع الصحي. يجب أن تظل هذه القضية في مقدمة الأولويات لضمان صحة المواطنين، فالوصول إلى الأدوية حق أساسي من حقوق الإنسان.
والحق أقول لكم: إن التحدي الأكبر هو إيجاد توازن بين تلبية الاحتياجات الصحية للمواطنين وتطوير نظام صحي مستدام يعتمد على الابتكار والاكتفاء الذاتي. في ظل هذه الظروف الصعبة، يجب أن نتذكر أن صحة المواطن هي حجر الزاوية لأي مجتمع ناجح ومستقر. إن التعامل مع أزمة نقص الأدوية في مصر يتطلب ليس فقط جهودًا حكومية وإصلاحات هيكلية، بل أيضًا تضافرًا من جميع أفراد المجتمع، من مؤسسات ومنظمات إلى المواطنين أنفسهم.
ولتتعاون جديًا الحكومة مع القطاع الخاص الذي يلعب دورًا حيويًا في تعزيز الاستجابة لأزمة نقص الأدوية. من خلال الشراكات مع الحكومة، يمكن للشركات الخاصة أن تساهم في توفير الأدوية بأسعار معقولة، وتطوير خطوط إنتاج جديدة تركز على الأدوية الأكثر حاجة في السوق المحلي. كما يمكن للقطاع الخاص أن يكون رائدًا في الاستثمار في البحث والتطوير، مما يسهم في تقليل الاعتماد على الواردات وتوسيع قاعدة التصنيع المحلية.
ولننظر إلى نصف الكوب الممتلئ. فبالرغم من التحديات الحالية، يمكن أن يكون لهذه الأزمة جانب إيجابي يتمثل في تحفيز الابتكار والبحث عن حلول جديدة والاستغناء عن الاستيراد وتوفير العملة الصعبة. إذا تم استغلال هذه الأزمة كفرصة لتحسين البنية التحتية الصحية وتعزيز قدرات الإنتاج المحلية، يمكن لمصر أن تصبح أقل عرضة لمثل هذه الأزمات في المستقبل، بل وقد تتحول إلى مركز إقليمي لإنتاج الأدوية.
وفي جميع الأحوال، لا يمكن تجاهل الأثر السلبي الكبير لهذه الأزمة على حياة الناس. لذلك، يجب أن تكون هذه الأزمة دعوة إلى التحرك العاجل والعمل على جميع المستويات لضمان أن تكون الأدوية متوفرة لكل من يحتاجها. إن حياة المواطنين هي الأولوية، وأي تأخير في التصدي لهذه الأزمة يمكن أن يكون له عواقب وخيمة.
ختامًا، يبقى الأمل في أن تُثمر الجهود المشتركة في وضع حد لهذه الأزمة، وأن يتمكن الجميع في مصر من الوصول إلى الأدوية الضرورية لحياتهم وصحتهم. إن الرؤية المشتركة والالتزام بحل هذه الأزمة يمكن أن يقودا إلى مستقبل أفضل وأكثر استقرارًا للصحة العامة في مصر.