تحقيق د/ زمزم حسن
تظل المدن التاريخية عبر التاريخ شاهدة على أمجاد من مروا بها، حيث تروي أطلالها قصص الملوك وعظمتهم. وفي مدينة جبلة، تتجسد هذه الحقيقة في آثار وشواهد تحكي عن سيرة الملكة أروى بنت أحمد الصليحي، التي حكمت اليمن خلال القرن الحادي عشر الميلادي من عام 1108 حتى 1141م. خلال فترة حكمها التي امتدت لستة وخمسين عامًا، أصبحت الملكة أروى رمزًا لعصر سياسي وديني وحضاري مزدهر في الدولة الصليحية، مما جعلها من أعظم الملكات اللواتي حكمن اليمن في العصر الإسلامي.
عند وصولك إلى مدينة جبلة التاريخية، يبدو لك وكأنك تدخل إلى لوحة فنية تجمع بين عراقة الماضي وجمال الحاضر. تجد المدينة تفيض بسحر خاص، يجسد تمازجًا فريدًا بين تراثها العريق وروعة معمارها القديم. كل زاوية فيها تحمل في طياتها قصصًا من حقب زاهرة، وعماراتها العتيقة تبدو كأنها حراس الزمن، يحفظون بين جدرانها تفاصيل من تاريخ اليمن الغني والمزدهر.
تبعد هذه النقطة ستة كيلومترات عن مركز محافظة إب اليمنية، وتكمن أهمية المدينة تاريخياً أنها كانت عاصمة القرار السياسي للدولة الصليحية 1141م (532هـ)، يصفها المحبون بشقيقة القمر، وتحمل اسم مدينة النهرين، لوقوعها بين نهرين كانا يصبان من جبل التعكر وجبل وراف.
إهمال كبير
مأساة جبلة التاريخية ليست طارئة كما قد يصورها البعض، بل هي معاناة ترافق المدينة منذ عقود، وهي اليوم بحاجة أكثر من أي وقت مضى إلى الاهتمام من قبل الجميع.
المدينة التاريخية تتعرض للإهمال الكبير من قبل الجميع، وأصبحت المباني التاريخية الموجودة فيها مهددة بالسقوط والانهيار، وقد سقط منزلان تاريخيان أحدهما في العام الماضي 2021 يعود لأكثر من 500 عام، والآخر في هذا العام 2022″.
كذلك هناك إهمال لقصر السيدة أروى والجامع الكبير، والسواقي والطرق الموجودة داخل المدينة”، مؤكداً أن المدينة مهددة بالتلاشي على هذه الوتيرة.
هذا وتعتبر أروى بنت أحمد الصليحي من النساء القلائل اللاتي بلغن منصباً رفيعاً وقيادياً في العصر الإسلامي، بل وجمعت بين القيادة الدينية والسياسية، مما جعل منها الشخصية الأكثر دبلوماسية وحضوراً في عهد المملكة الصليحية التي اتخذت من مدينة جبلة التاريخية عاصمة لها.
وقد سميت أروى لأنها قامت ببناء الساقيتين في جبلة، وجامع الجند في تعز وأروت أهلها بالماء كما يقول كثير من المؤرخين.
بدأت نشاطها السياسي منذ عهد علي الصليحي، إذ كانت أشبه ما تكون بالمستشارة، ولما مات الملك ورث العرش زوجها، وبعد رحيل الزوج الذي شاركته نصف الحكم أثناء حياته نالت النصف الآخر بعد مماته في 1093م.
ويذكر أن اليمن كان دولة (ديمقراطية) في التاريخ القديم، وفي الألف الثالث قبل الميلاد عرف اليمن مجلسين: مجلس الأذواء، ومجلس الأقيال، ولا يعتبر الملك تبعاً حتى يبايعه المجلسان. وقد وصلت مجموعة من الملكات إلى مستوى الملوكية العلياء التبعية كالملكة بلقيس، والملكة شمس، والملكة نادلين، وليس بعد ذلك مستغرباً ومستنكراً أن تصل الملكة أروى إلى سدة الحكم”.