القاهرية
العالم بين يديك

شبوة نصف حضارة اليمن

49
تقرير د / زمزم حسن
يعتقد بعض المهتمين بتاريخ وحضارة اليمن القديم أن محافظة شبوة تحتل مكانة خاصة في تراث اليمن القديم، حيث أنها كانت موطنًا لثلاث من خمس ممالك عظيمة نشأت في تلك الفترة. تلك الممالك هي أوسان، وقتبان، وحضرموت، بينما تأسست مملكة سبأ في محافظة مأرب الحالية، ومملكة معين في محافظة الجوف.
شبوة، هذه المحافظة الغنية بالحضارات، تعتبر اليوم خزينة لآثار ومعالم حضارة جنوب شبه الجزيرة العربية. أرضها تحتضن عشرات المواقع الأثرية البارزة، من مدن تاريخية إلى حصون وقصور ومعابد وأسوار ونقوش قديمة تعود لممالك عظيمة كانت مزدهرة في هذا المكان.
أُطلق اسم شبوة على محافظة شبوة اليمنية، والتي كانت تعرف بالمحافظة الرابعة في سبعينيات القرن الماضي، مقتبسا من اسم شبوة في نقش قديم يعود إلى مدينة تاريخية قديمة تقع أسفل وادي عرماء، عاصمة مملكة حضرموت القديمة قبل الميلاد.
شكلت هذه المساحة للمحافظة مع المساحات الأخرى للمحافظات الجنوبية من اليمن أهمية كبرى في إقامة ثلاث ممالك عظيمة (أوسان، قتبان، حضرموت)، والتي لعبت دورا مهما في تاريخ جنوب شبه الجزيرة العربية، نظرا لمزايا الموقع الاستراتيجي الهام بقربها من السواحل الجنوبية، حيث يوجد عدد من الموانئ البحرية وطرق التجارة البرية ومناطق إنتاج اللبان والبخور.
هذه الممالك العربية القديمة التي أقيمت على أرض شبوة الحالية، وفي مقدمتها مملكة أوسان التي أقيمت في وادي مرخة، والذي يعود تاريخها إلى القرن السابع قبل الميلاد، حيث يشير إلى أن أوسان في عهد ملكها (مرتع) تعاظمت قوتها وقويت شوكتها واتسعت حدودها على حساب جارتيها حضرموت وقتبان،
مشكّلة دولة مترامية الأطراف تمتد من المعافر غرباً إلى وادي ميفعة وحبان وحجر شرقاً، وضمت إليها مناطق حيوية بالنسبة إلى حضرموت وقتبان، لعل أهمها تبن ودهس (يافع) ودثينة ويشبم ووادي جردان، إضافة إلى سيطرتها على المناطق الجنوبية حتى البحر.
هذا بجانب أن أوسان بتوسعها أصبحت تشكل خطراً كبيراً، ليس فقط على جارتيها حضرموت وقتبان، وإنما على دولة سبأ التي كانت تتخذ من مأرب اليمنية عاصمة لها، وبالتالي هي الأخرى اسُتفزت من ذلك التوسع لتضرر مصالحها، فتحالفت حضرموت وقتبان مع كرب إل وتر مكرب (ملك) سبأ ضد دولة أوسان.
مملكة قتبان… ازدهار وتوسع
ومن الممالك التي قامت في شبوة أيضا، مملكة قتبان في وادي بيحان، وكانت عاصمتها تمنع، واستنادا إلى مخربشات وأثريات قديمة كشف عنها مستشرقون، يرجع زمن الاستيطان في المدن القتبانية إلى القرن العاشر قبل الميلاد، وخلال الفترة من القرن الرابع وحتى القرن الثاني ق. م شهدت قتبان عهد ازدهار، واتخذ حكامها لقب مكرب، بعد أن توسعت على حساب مملكة أوسان القديمة، وأصبحت تبسط سيطرتها على الشريط الساحلي الممتد من باب المندب حتى ما وراء عدن.
مملكة حضرموت… القوة الفاعلة
ثالث الممالك العربية القديمة تقع في وادي حضرموت الكبير، وكانت عاصمتها شبوة، وهناك من يرى أن ميفعة عاصمتها الأولى، ويرجع زمن ظهورها إلى الفترة الواقعة ما بين 1020 ق.م. و125م.
يلاحظ أن الفترة الواقعة بين القرنين الرابع والأول ق.م في تاريخ مملكة حضرموت هي فترة ازدهار وتطور، حيث أصبحت حضرموت من القوى الرئيسة الفاعلة في الساحة اليمنية، وشغلت مساحة جغرافية واسعة في جنوب شبه الجزيرة العربية، فحدودها كانت تمتد من أطراف قتبان غرباً (مشارق وادي بيحان) وحتى عُمان شرقاً، ومن البحر العربي جنوباً حتى صحراء العبر والربع الخالي شمالاً، وامتدت أيضاً عبر البحر إلى جزيرة سقطرى في المحيط الهندي.
قد يعجبك ايضا
تعليقات