عيد علي
تعيين السنوار فاجأ العالم، رغم أنه لم يفاجئ أهل غزة الذين يعلمون سلطته ونفوذه في الحركة.
فلماذا السنوار الآن؟ وماذا سيتغير؟
والشاهد أنه بعد أيام من مقتل رئيس المكتب السياسي في طهران، وبعد الكثير من الجدل والأحاديث حول من سيخلف هنية في ذلك المنصب، أنهت الحركة الجدل لتعلن عن رئيسها الجديد غير المتوقع لدى المحللين السياسيين أو غيرهم، وهو يحيى السنوار، الذي لم يظهر للعالم منذ السابع من أكتوبر الماضي، لكنه كما يتضح يملك الكثير من النفوذ والسيطرة داخل الحركة. ويبدو أنه لم يقدر أحد على منافسته لنيل قيادة الحركة كلها. حيث يشير ذلك التعيين إلى قوة جناح غزة داخليًا، بالإضافة إلى تيار إيران الذي يصنف السنوار ضمنه. بالإضافة إلى استبعاد أسماء كان السنوار نفسه يفضلها لقيادة الحركة مثل خليل الحية وأسامة حمدان، لكنه بوضع السنوار في رأس الهرم، بات خيار السلم والحرب بيده وحده.
والحق أقول لكم، إن تعيين السنوار رئيسًا لحركة حماس أثار ردود فعل متنوعة على الساحة الدولية، حيث عبرت الولايات المتحدة عن قلقها من تعيين السنوار واعتبرته خطوة تزيد من تعقيد الأوضاع في الشرق الأوسط. فالسنوار معروف بتوجهاته العسكرية ومواقفه الصارمة، مما يجعله شخصية غير مرغوب بها من قبل الإدارة الأمريكية التي تسعى لإيجاد حلول سلمية للصراع الفلسطيني الإسرائيلي. ومن الطبيعي أن تكون إسرائيل هي الأكثر قلقًا من هذا التعيين.
السنوار له تاريخ طويل في المقاومة المسلحة ضد إسرائيل، ويعتبر من العقول المدبرة للعديد من العمليات العسكرية وعلى رأسها وأهمها عملية السابع من أكتوبر الماضي، التي تقول إسرائيل إن السنوار هو العقل المدبر لها. لهذا، فإن تعيينه يزيد من مخاوف إسرائيل من تصاعد الهجمات ضدها، خصوصًا في ظل علاقته القوية مع إيران.
ومنذ الإعلان، ظهرت الكثير من الأحاديث حول مسار الحركة تحت قيادة السنوار. فتعيين السنوار قد يؤدي إلى إعادة رسم خريطة العلاقات الدولية لحركة حماس، فمن المتوقع أن يسعى السنوار لتعزيز علاقات حماس مع الدول التي تصنف ضمن ما يسمى “محور المقاومة”، مثل إيران، والنظام السوري، والعراق، وحزب الله في لبنان. وقد سبق للسنوار في تصريح علني أن قال فيه “بناء المقاومة يعود الفضل فيه لإيران ودعم سوريا الأسد وتطوير علاقاتنا بحزب الله”، وهو ما يؤكد أن السنوار ابن هذا المحور ولم يخرج منه في علاقاته العميقة والاستراتيجية. لكنه في ذات الوقت سيمنح المكتب الخارجي لحماس بعض النفوذ لإبقاء العلاقات مع عدد من الدول العربية، على رأسها مصر وقطر، حيث تلعب الدولتان دورًا مهمًا للغاية في المفاوضات مع إسرائيل وتأمين المساعدات لغزة. لكن في ذات الوقت ستكون حماس أمام معضلة في التعامل مع الدول الغربية التي تنظر إلى السنوار على أنه شخصية متشددة ومعقدة.
داخليًا، من المتوقع أن يجري السنوار إصلاحات هيكلية داخل الحركة. ومن المعروف عن السنوار أنه يفضل الحلول العسكرية، لذلك من المتوقع أن يركز على تعزيز القدرات العسكرية لحركة حماس وزيادة تدريب وتجهيز الأفراد. وتلك الأفكار التي في رأس السنوار ستعزز من مكانة الجناح العسكري للحركة، وهو الأمر الذي يهدد الكيان السياسي فيها، ويراه البعض تحولًا مقلقًا للغاية، فقد تتدرج الحركة لتصبح فصيلاً مسلحًا ليس أكثر، تقاتل دون أي هدف سياسي واضح، وهذا الأمر يعود لنقطة التبعية لإيران وتجريد حماس من أي أهداف أو عمليات تخالف مصالح طهران.
يحيى السنوار يكتسب اليوم مزيدًا من الأهمية بعد تعيينه رئيسًا لحركة حماس، ولنفهم أكثر تأثير هذا التعيين، فمن الضروري معرفة من هو يحيى السنوار؟ وكيف وصل إلى هذا النفوذ البارز داخل الحركة؟
تم
يحيى إبراهيم حسن السنوار (مواليد 29 أكتوبر 1962) هو سياسي فلسطيني ورئيس المكتب السياسي لحركة حماس منذ 6 أغسطس 2024 بعد اغتيال هنية، وقبلها كان رئيسًا لمكتبها السياسي في قطاع غزة منذ 13 فبراير 2017، وأحد مؤسسي الجهاز الأمني لحركة حماس والذي سُمِّيَ جهاز الأمن والدعوة (مجد)، عام 1985، وهو الجهاز المخول بملاحقة جواسيس الاحتلال الصهيوني. شقيقه هو القيادي في كتائب القسام محمد السنوار.
في العام 1989 حكمت عليه إسرائيل من خلال المحكمة العسكرية في غزة، بأربعة أحكام بالسجن مدى الحياة و25 عام أخرى، بعد إدانته بقتل وتعذيب أربعة فلسطينيين أعتبرهم متعاونين، قضى منها 22 عامًا حتى إطلاق سراحه من بين 1027 آسير فلسطيني آخر في عملية تبادل أسرى عام 2011 مقابل إطلاق سراح الجندي جلعاد شاليط.
تعتبر إسرائيل يحيى السنوار، العقل المدبر لهجمات السابع من أكتوبر، وهو على رأس قائمتِها للمستهدفين خلال الحرب التي شنتها على قطاع غزة منذ الثامن من أكتوبر 2023
في مايو 2024، أعلن كريم خان، المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية، عن نيته التقدم بطلب للحصول على مذكرة اعتقال بحق السنوار، الى جانب اسماعيل هنية، ومحمد ضيف وبنيامين نتنياهو ويوأف غالانت، بتهمة ارتكاب جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية، كجزء من تحقيق المحكمة الجنائية الدولية في فلسطين، في أعقاب هجوم السابع من اكتوبر 2023 الذي شنته حماس نحو منطقة غلاف غزة، وحرب “السيوف الحديدة” التي شنتها إسرائيل على قطاع غزة في أعقاب ذلك.
بعد الإفراج عن السنوار في صفقة شاليط عام 2011 عاد إلى مكانه قياديا بارزا في حركة حماس ومن أعضاء مكتبها السياسي. فقد شغل مهمة التنسيق بين المكتب السياسي لحماس وقيادة كتائب عز الدين القسام، بصفته «ممثلا للكتائب» في المكتب السياسي لحماس. وكان السنوار قد أمر عقب انتهاء العدوان الإسرائيلي على غزة عام 2014 بإجراء تحقيقات وعمليات تقييم شاملة لأداء القيادات الميدانية، وهو ما نتج عنه إقالة قيادات بارزة. أدرجت الولايات المتحدة في سبتمبر 2015 اسم السنوار على القائمة السوداء للإرهابيين الدوليين، إلى جانب قياديين اثنين آخرين من حركة حماس هما القائد العام لكتائب القسام محمد الضيف، وعضو المكتب السياسي روحي مشتهى.
في 13 فبراير 2017، انتخب يحيى السنوار رئيسا للمكتب السياسي للحركة في قطاع غزة خلفا لإسماعيل هنية، فيما اختير خليل الحية نائبا له. وجاء اختيار السنوار رئيسا لحماس في غزة بانتخابات داخلية للحركة أجريت على مستوى مناطق القطاع المختلفة. واستكملت حماس انتخاباتها الداخلية في الضفة الغربية وخارج فلسطين لإنتخاب رئيس المكتب السياسي منتصف مارس 2017 وأعلن إسماعيل هنية خلفًا لخالد مشعل. اعتبرت صحيفة الغارديان في مقال لها عام 2017 أن وصول السنوار لقيادة حماس سيضع حدًّا للمنافسة الداخلية في حماس بين الجناحَيْن السياسي والعسكري، ويُعيد تعريف سياسة الحركة، لا سيما في ظل التحديات التي تواجهها غزة. وأضافت الصحيفة البريطانية أن انتخاب السنوار جاء إشارة واضحة على أولوية غزة، إذ يرى الرجل في القطاع أولوية للنشاط السياسي والعسكري على خلاف النهج السابق الساعي للتقارب مع قيادة السلطة الفلسطينية.
في 16 مايو 2018، في إعلان غير متوقع على قناة الجزيرة، صرح السنوار أن حماس ستتبع “المقاومة الشعبية السلمية” مما يفتح احتمال أن تلعب حماس، التي تعتبرها العديد من الدول منظمة إرهابية، دورًا في المفاوضات مع إسرائيل. وقبل ذلك بأسبوع كان قد شجع سكان غزة على كسر الحصار الإسرائيلي، قائلاً: “إننا نفضل أن نموت شهداء على أن نموت قهراً وإذلالاً”، مضيفاً: “نحن مستعدون للموت، وسيموت معنا عشرات الآلاف”.
وفي مارس 2021، تم انتخابه لولاية ثانية مدتها أربع سنوات رئيسًا لفرع حماس في غزة في انتخابات أجريت سرًا. وهو المسؤول الأعلى رتبة في حماس في غزة والحاكم الفعلي لغزة، وكذلك ثاني أقوى عضو في حماس بعد إسماعيل هنية.
في 15 مايو 2021، أفادت التقارير أن غارة جوية إسرائيلية أصابت منزل زعيم حماس، ولم تكن هناك تفاصيل فورية عن أي وفيات أو جرحى. ووقعت الغارة في منطقة خان يونس جنوب قطاع غزة وسط توتر متزايد بين الإسرائيليين والفلسطينيين. وفي الأسبوع التالي، ظهر علنًا أربع مرات على الأقل. وكان أوضحها وجرأتها ما جاء في مؤتمر صحفي يوم 27 مايو/أيار 2021، عندما ذكر (على الهواء) أنه سيعود إلى منزله بعد المؤتمر الصحفي (سيراً على الأقدام)، ودعا وزير الدفاع الإسرائيلي بيني غانتس لاتخاذ قرار الاغتيال. عليه خلال الـ 60 دقيقة التالية حتى يصل إلى منزله. وأمضى السنوار الساعة التالية وهو يتجول في شوارع غزة ويلتقط صورًا ذاتية مع الجمهور. بعد ثلاثة أسابيع من الصراع في الحرب بين إسرائيل وحماس عام 2023، اقترح إطلاق سراح جميع السجناء الفلسطينيين في السجون الإسرائيلية مقابل إطلاق سراح جميع الرهائن المختطفين في الصراع.
في الثمانيات كان رأي السنوار القيادي الفلسطيني أن كسر الاحتلال لن يتم إلا بالقضاء على جميع أدواته، منها العملاء والجواسيس. واقترح السنوار على الشيخ أحمد ياسين وقتها بعض الأفكار التي من شأنها تعزيز الجانب الأمني للمقاومة، وأبرزها تأسيس جهاز الأمن والدعوة “مجد”، الذي تولَّى الملفات الأمنية الداخلية. وتمكَّن السنوار حينها من قيادة مجموعة من الكوادر الأمنية وتتبُّع عدد من العملاء الذين عملوا لصالح إسرائيل، وتحول لاحقا “جهاز مجد” نواة أولى لتأسيس النظام الأمني الداخلي لحماس، وصار دورها بجانب إجراء التحقيقات مع عملاء إسرائيل هو اقتفاء آثار ضباط المخابرات وأجهزة الأمن الإسرائيلية نفسها.
بعد ثلاثة أسابيع من الصراع في الحرب الدائرة بين إسرائيل وحماس عام 2023، اقترح السنوار في أعقاب عملية طوفان الأقصى إطلاق سراح جميع السجناء الفلسطينيين المعتقلين في السجون الإسرائيلية مقابل إطلاق سراح جميع الرهائن المختطفين في الصراع، إلا أن نتنياهو ومجلس الحرب الاسرائيلي رفض العرض مرارا قبل أن يتراجع ويقبل بصفقة تبادل جزئية بداية شهر ديسمبر 2023، نتج عنها وقف لاطلاق النار لمدة أربع ايام، إطلاق سراح 240 أسير فلسطيني في السجون الاسرائيلية، بمقابل اطلاق سراح 105 مدنيين إسرائيليين والسماح بإدخال المساعدات الانسانية والوقود الى قطاع غزة، من بعدها أستأنفت الحرب. تعتقد السلطات العسكرية الإسرائيلية أن السنوار موجود تحت الأرض في خان يونس مع محمد ضيف ومروان عيسى